حال ، ان للتفكر درجات ومراتب ، ولكل مرتبة نتيجة او نتائج ، وسوف نتناول بعضها .
الاول : هو التفكر في الحق تعالى ، واسمائه وصفاته وكمالاته . ونتيجة ذلك هو العلم بوجوده وبانواع تجلياته ، التي منها الاعيان الواقعية والمظاهر الخارجية . وهذا افضل مراتب التفكر ، واعلى مراتب العلوم ، واتقن مراتب البرهان . اذ ان الانتباه الى ذات العلة ، والتفكر في السبب المطلق ، يدفع بالانسان الى العلم به وبالمسببات والمعلولات . وهذا هو رسم تجليات قلوب الصديقين ، ولذلك سمي باسم : «برهان الصديقين» . فالصديقون بمشاهدة الذات يشهدون الاسماء والصفات ، وفي مرآة الاسماء ، يشهدون الاعيان والمظاهر . وما تسمية هذا القسم من البرهان باسم «برهان الصديقين» الا لان الصديق اذا اراد ان يظهر مشاهداته في صورة برهان ، وان يضع ما وجده ذوقا وشهودا في قالب الالفاظ ، لكان هكذا . ولا يعني هذا الاسم ان كل من استدل بهذا البرهان على ذات الله وتجلياته كان من الصديقين ، ولا ان معارف الصديقين هي من سنخ البراهين ، فان لهم براهين خاصة وهيهات ان تكون علومهم من جنس التفكر ، او ان تكون ثمة مشابهة بين مشاهداتهم وبين البرهان ومقدماته . فما دام القلب في حجاب البرهان ، وخطوته هي خطوة التفكر ، لا يكون قد وصل الى اول مراتب الصديقين . واذا ما خرج من حجاب العلم والبرهان السميك ، فلا علاقة له بالتفكر ، بل يفوز في آخر الامر ومنتهى السلوك بمشاهدة جمال الجميل المطلق ، من دون واسطة البرهان ، وحتى من دون واسطة اي كائن ، ويذوق اللذة الدائمة السرمدية ، ويتحرر من الدنيا وما فيها ، ويبقى في الفناء التام تحت قباب الكبرياء ، ولا يبقى منه اسم ولا رسم ويصبح مجهولا مطلقا ، الا اذا شملته العناية الالهية وارجعته الى مملكته وممالك الوجود على قدر سعة وجود عينه الثابتة ، ويتم له في هذا الرجوع كشف سبحات الجمال والجلال ، ويشهد في مرآة الذات الاسماء والصفات ، ومنها يفوز بمشاهدة عينه الثابتة وكل ما هو تحت ظل حمايته ، وتتكشف كيفية سلوك المظاهر والرجوع الى الظاهر ، على قلبه ، ثم يتشرف برداء النبوة . اذ في هذا المقام يظهر اختلاف مقامات الانبياء والرسل ، وتنكشف لهم في هذا المقام سعة دائرة الرسالة او ضيقها والمبعوث منه والمبعوث اليه . ان الاسهاب في المقال بهذا الشأن لا يتناسب مع هذه الاوراق ، حتى اننا تغاضينا عن برهان الصديقين ايضا لأن له مقدمات يطول شرحها هنا .
تتميم: في بيان التفكر الممنوع والمرغوب في ذات الحق
لا بد ان نعرف ان قولنا : «التفكر في الذات والاسماء والصفات» قد يحمل الجاهل على الظن بأن التفكر في ذات الله ممنوع بحسب الروايات ، دون ان يعلم ان التفكر الممنوع هو الاربعون حديثا :188
مخ ۱۸۷