التفكر في اكتناه الذات وكيفيتها ، حسب ما يستفاد من الاحاديث الشريفة (1) . وقد يمنع غير المؤهل ، من النظر في بعض المعارف ذات المقدمات الدقيقة . وهذان المقامان يتفق بشأنهما الحكماء ايضا . الا ان استحالة اكتناه الذات الالهية مبرهنة في كتبهم ، ومنع التفكر فيها مسلم به عند الجميع .
اما شرائط الدخول في هذه العلوم ، ومنع تعليم غير المؤهل ، فمذكورة في كتبهم . ووصاياهم في خصوص شرائط الدخول مسطورة في اوائل كتبهم او اواخرها ، كما فعل اماما الفن وفيلسوفا الاسلام العظيمان ، «الشيخ ابن سينا» في آخر «الاشارات» (2) و«صدر المتألهين» في آخر «الاسفار» (3) . حيث اوردا وصاياهما البليغة (فراجع) (4) .
اما النظر في ذات الله لغرض اثبات وجوده وتوحيده وتنزيهه وتقديسه ، فهو الغاية من ارسال الانبياء والمقصد لآمال العرفاء . والقرآن الكريم والاحاديث الشريفة مشحونة بالاخبار حول العلم بذات الله وكمالاته واسمائه . وكتب الاخبار المعتبرة ، مثل «الكافي» و«توحيد» الشيخ الصدوق ، تتعمق في اثبات ذات الله واسمائه وصفاته . والفرق بين المأثورات عن الانبياء وكتب الحكماء انما هو في الاصطلاحات والايجاز والتفصيل فقط ، مثلما ان الفرق بين الفقه والاخبار الخاصة بالفقه هو في الاصطلاحات والايجاز والتفصيل ايضا ، لا في المعنى .
لكن المصيبة في ان هناك بعض الجهلاء في لباس اهل العلم الغير عارفين بالكتاب والسنة والجاهلين بهما ، ظهروا في القرون الاخيرة ، من دون أية رؤية صحيحة او اعتماد على معيار صحيح او معرفة بالكتاب والسنة ، وجعلوا جهلهم وحده دليلا على بطلان العلم بالمبدأ والمعاد ، ولكي يروجوا بضاعتهم حرموا النظر في المعارف التي هي غاية ما يقصده الانبياء والاولياء سلام الله عليهم ، والتي امتلأ بها كتاب الله واخبار اهل البيت عليهم السلام وراحوا يرمون اهل المعرفة بكل شتيمة واتهام ، وسببوا انحراف قلوب عباد الله عن العلم بالمبدأ والمعاد ، وكانوا سببا في تفريق الكلمة وتشتيت شمل المسلمين . ولو سأل سائل : لم كل هذا التكفير والتفسيق ؟ لتشبث المجيب بالحديث القائل : «لا تتفكروا في ذات الله» . ان هذا الجاهل المسكين مخطئ وجاهل من جهتين :
الاولى انه ظن ان الحكماء يقومون بالتفكر في ذات الله ، مع انهم يرون ان التفكر في ذات الله واكتناهها ممتنع ، وهذا من المسائل المبرهن عليها في هذا العلم .
مخ ۱۸۸