ليس لها كفو ، إذ لا يمكن تصور التكرار في الكمال الصرف . إذا فالسورة المباركة (الإخلاص) من أحكام الفطرة ولبيان نسب الحق المتعال .
المقام الثالث: في بيان ان المعاد فطري
ان «المعاد» او يوم القيامة من الامور الفطرية المجبولة عليها طينة البشر . وهذا ايضا ، مثل المقامين السابقين ، يمكن البرهنة عليه بطرق كثيرة وامور فطرية عديدة ، ونحن هنا نشير الى بعض منها .
اعلم ان من الفطريات الالهية التي فطرت عليها العائلة البشرية كافة هي فطرة حب الراحة . فلو انك في كل ادوار التمدن والتوحش ، والتدين والعناد رجعت الى هذا الانسان ، الجاهل والعالم ، والوضيع والشريف ، والمدني والبدوي ، وسألته : «لم كل هذا التعلق المتنوع والاهواء الشتى ، وما الغاية من تحمل كل هذه المشقات والصعوبات والمعاناة في الحياة ؟» فانهم جميعا وبكلمة واحدة وبلسان الفطرة الصريح يجيبون قائلين : بأن كل ما يتوخونه انما هو لراحتهم ، والغاية النهائية والمرام الاخير واقصى ما يتمنونه هو الراحة المطلقة الخالية من كل تعب ونصب . فلما كانت هذه الراحة التي لا تمازجها مشقة والتي لا يشوبها الم ونقمة هي معشوقة الجميع ، وكانت هذه المعشوقة المفقودة لدى كل انسان مقصورة في شيء ، لذلك فهو عندما يحب شيئا يتصور محبوبه فيه ، مع ان مثل هذه الراحة المطلقة لا وجود لها في كل ارجاء العالم وزواياه . اذ ليس من الممكن ان تعثر على راحة غير مشوبة بالألم . ان جميع نعم هذا العالم يصاحبها العناء والعذاب المضني ، وما من لذة الا وفيها الم . ان العذاب والتعب والالم والحزن والهم والغم تملأ ارجاء الارض .
وعلى امتداد حياة الانسان لن تجد فردا واحدا يتساوى عذابه وراحته ، ونعمته توازي تعبه ونقمته ، ناهيك عن الراحة الخالصة المطلقة . وبناء على ذلك فان معشوق الانسان لا يوجد في هذا العالم الدنيوي . ان العشق الفطري الذي جبل عليه ابناء البشر لا يكون من دون معشوق موجود فعلا .
اذا ، لا بد من ان يكون هناك في دار التحقق وعالم الوجود عالم لا تشوب راحته شائبة من الم وعذاب وتعب ، راحة مطلقة لا يخالطها شيء من العناء والشقاء ، سرور دائم خالص لا يعتوره حزن ولا هم . ذلك العالم هو «دار نعيم الله» ، عالم كرم ذات الله المقدسة .
وهو عالم يمكن اثباته بفطرة الحرية ونفوذ الارادة الموجودة في فطرة كل انسان . ولما كانت مواد هذا العالم وما به من العسر والضيق مما يستعصي على حرية الانسان وارادته ، فلا بد الاربعون حديثا :182
مخ ۱۸۱