الحقيقي لا يكون من دون معشوق ، ولا يكون غير الله الكامل ، معشوقا تتجه اليه الفطرة . فلازم تعشق الكمال المطلق وجود الكمال المطلق . وقد سبق ان عرفنا ان احكام الفطرة ولوازمها اوضح من جميع البديهيات «افي الله شك فاطر السموات والارض» (1) .
المقام الثاني: في بيان ان توحيد الحق المتعالي وصفاته الاخرى فطرية
في بيان أن توحيد الحق تعالى شأنه واستجماع ذاته لكل الكمالات من الأمور الفطرية ، وبالانتباه إلى ما جاء في المقام الأول يتضح ذلك أيضا إلا أننا سنبرهن على ذلك ببيان آخر هنا أيضا .
إعلم أن من الأمور الفطرية التي «فطر الناس عليها» هو النفور من النقص ، ولذلك فإن لإنسان ينفر من كل ناقص ، فهو ينفر منه لأنه وجد فيه نقصا وعيبا . إذا ، فالفطرة تنفر من النقص والعيب كما أنها تنجذب إلى الكمال . فالفطرة لا بد وأن تتوجه إلى الواحد الأحد ، لأن كل كثير ومركب ناقص ، ولا تكون الكثرة دون محدودية والمحدودية نقص . وكل ناقص مرغوب عنه من جانب الفطرة وليس بمرغوب فيه . إذا ، أمكن من هاتين الفطرتين : «فطرة حب الكمال» و«فطرة النفور من النقص» إثبات التوحيد . بل إن استجماع الله لجميع الكمالات ، وخلو ذاته المقدسة من كل نقص ، قد ثبت بالفطرة أيضا . وسورة التوحيد المباركة التي تبين نسب الحق المتعالي ، وبحسب رأي شيخنا الجليل (2) (روحي فداه) إن الهوية المطلقة ، التي تتوجه إليها الفطرة ، والتي أشير إليها في صدر سورة التوحيد المباركة بكلمة «هو» «هو» المباركة ، تعد برهانا على الصفات الست المذكورة بعد ذلك . إذ لما كانت ذات الله المقدسة هوية مطلقة ، والهوية المطلقة يجب أن تكون كاملة مطلقة ، وإلا لكانت محدودة ، ولم تكن مطلقة ، فهو مستجمع لجميع الكمالات ، فهو (الله) . وفي الوقت الذي يكون مستجمعا لجميع الكمالات يكون بسيطا ، وإلا فالهوية لا تكون مطلقة ، إذا فهو «أحد» ولازم الأحدية هو الواحدية ولما كانت الهوية المطلقة المستجمعة لجميع الكمالات منزهة عن جميع النقائص ، التي تعود بأجمعها إلى الماهية ، إذا فتلك الذات المقدسة هي «الصمد» وليست جوفاء . ولما كانت الهوية مطلقة ، فلن يتولد منها شيء ولا ينفصل عنها شيء ، ولا ينفصل هو عن شيء «لم يلد ولم يولد» وإنما هو مبدأ كل شيء ومرجع جميع الموجودات ، بدون الانفصال الذي يوجب النقصان . والهوية المطلقة أيضا الاربعون حديثا :181
مخ ۱۸۰