جميع الاحكام العقلية حكم مثلها في البداهة والوضوح ، حيث لم يختلف فيه الناس ولن يختلفوا . وعلى هذا الاساس تكون الفطرة من اوضح الضروريات وابده البديهيات ، كما ان لوازمها ايضا يجب ان تكون من اوضح الضروريات . فاذا كان التوحيد او سائر المعارف من احكام الفطرة او من لوازمها ، وجب ان يكون من اوضح الضروريات واجلى البديهيات «ولكن اكثر الناس لا يعلمون» .
فصل:
اعلم ان المفسرين ، من العامة والخاصة ، فسروا كل على طريقته ، كيفية كون الدين او التوحيد من الفطرة . ولكننا في هذه الوريقات لا نجري مجراهم وانما نستفيد في هذا المقام من آراء الشيخ العارف الكامل (الشاه آبادي) الذي هو نسيج وحده في هذا الميدان ، ولو ان بعضها قد ورد بصورة الاشارة والرمز في بعض كتب المحققين من اهل المعارف ، وبعضها الآخر مما خطر في فكري القاصر .
اذا ، لا بد ان نعرف ان من انواع الفطرة الالهية ما يكون على «اصل وجود المبدا» تعالى وتقدس ومنها الفطرة على «التوحيد» واخرى على «استجماع ذات الله المقدسة لجميع الكمالات» واخرى على «المعاد ويوم القيامة» واخرى على «النبوة» و«وجود الملائكة والروحانيين وانزال الكتب واعلان طريق الهداية» . وهذه الامور بعضها من الفطرة ، وبعضها من لوازم الفطرة . فالايمان بالله تعالى وبملائكته وكتبه ورسله وبيوم القيامة ، هو الدين القيم المحكم والمستقيم والحق على امتداد حياة المجموعة البشرية . ولسوف نشير الى بعض منها مما يتناسب والحديث الشريف ، طالبين التوفيق من الحق تعالى .
المقام الاول: في بيان ان اصل وجود المبدأ المتعالي جل وعلا
من الامور الفطرية
وهذا يتضح بعد التنبيه الى مقدمة واحدة هي : ان من الامور الفطرية التي جبلت عليها سلسلة بني البشر باكملها ، بحيث انك لن تجد فردا واحدا في كل المجموعة البشرية يخالفها ، وان العادات والاخلاق والمذاهب والمسالك وغيرها لا يمكن ان تبدلها ولا ان تحدث فيها خللا ، انها «الفطرة التي تعيش الكمال» . فانت ان تجولت في جميع الادوار التي مر بها الانسان ، واستنطقت كل فرد من الافراد ، وكل طائفة من الطوائف ، وكل ملة من الملل ، تجد هذا العشق والحب قد جبل في طينته ، فتجد قلبه متوجها نحو الكمال . بل ان ما يحدد الانسان ويدفعه في سكناته وتحركاته ، وكل العناء والجهود المضنية التي يبذلها كل فرد في مجال عمله وتخصصه ، انما هو نابع من حب الكمال ، على الرغم من وجود منتهى الخلاف بين الناس فيما يرونه من الكمال ؟ واين يوجد الحبيب ويشاهد المعشوق ؟ .
مخ ۱۷۷