بحسب مقتضى المناسبة ، فيحسب الجاهل ان هناك تعارضا . والدليل على ان المقام كذلك هو ان الآية الشريفة تعتبر «الدين» هو «فطرة الله» مع ان الدين يشمل التوحيد والمبادئ الاخرى .
وفي صحيحة عبد الله بن سنان فسرت الفطرة على انها تعني «الاسلام» . وفي حسنة زرارة فسرت بالمعرفة ، وفي الحديث المعروف : «كل مولود يولد على الفطرة» (1) جاءت في قبال «التهود» و«التنصر» و«التمجس» . كما ان الامام الباقر عليه السلام في حسنة زرارة المذكورة فسرها بالمعرفة . وعليه ، فالفطرة ليست مقصورة على التوحيد ، بل ان جميع المبادئ الحقة هي من الامور التي فطر الله تعالى الانسان عليها .
فصل: في تحديد احكام الفطرة
لا بد ان نعرف بان ما هو من احكام الفطرة لا يمكن ان يختلف فيه اثنان ، من ناحية انها من لوازم الوجود وقد تخمرت في اصل الطبيعة والخلقة . فالجميع ، من الجاهل والمتوحش والمتحضر والمدني والبدوي ، مجمعون على ذلك . وليس ثمة منفذ للعادات والمذاهب والطرق المختلفة للتسلل اليها والاخلال بها . ان اختلاف البلاد والاهواء والمانوسات والآراء والعادات ، التي توجب وتسبب الخلاف والاختلاف في كل شيء ، حتى في الاحكام العقلية ، ليس لها مثل هذا التاثير ابدا في الامور الفطرية . كما ان اختلاف الادراك والافهام قوة وضعفا لا تؤثر فيها . واذا لم يكن الشيء بتلك الكيفية فليس من احكام الفطرة ويجب اخراجه من فصيلة الامور الفطرية . ولذلك تقول الآية : «فطر الناس عليها» (2) اي انها لا تختص بفئة خاصة ولا طائفة من الناس . ويقول تعالى ايضا : «لا تبديل لخلق الله» (3) اي لا يغيره شيء ، كما هو شأن الامور الاخرى التي تختلف بتاثير العادات وغيرها .
ولكن مما يثير الدهشة والعجب انه على الرغم من عدم وجود اي خلاف بشأن الامور الفطرية ، من اول العالم الى آخره ، فان الناس يكادون ان يكونوا غافلين عن انهم متفقون ، ويظنون انهم مختلفون ، ما لم ينبههم احد على ذلك ، وعند ذلك يدركون انهم كانوا متفقين رغم اختلافهم في الظاهر كما سيتضح ذلك فيما ياتي من البحث ان شاء الله .
وهذا ما تشير اليه الجملة الاخيرة من الآية الشريفة : «ولكن اكثر الناس لا يعلمون» (4) .
فيتضح مما سبق ذكره ان احكام الفطرة اكثر بداهة من كل امر بديهي . اذ لا يوجد في الاربعون حديثا :177
مخ ۱۷۶