237

[و]اعلم أيها السائل أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن الإقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره، من تفسير الغيب المحجوب، فقالوا: {آمنا به كل من عند ربنا}، فمدح الله سبحانه اعترافهم بالعجز عن تناول مالم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا.

فاقتصر على ذلك، واعلم أن الله لم يحدث فيمكن فيه التغير والإنتقال، ولم تتصرف في ذاته كرور الأحوال، ولم تختلف عليه عقب الأيام والليالي، وهو الذي خلق الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار إحتذى عليه من خالق كان قبله، بل أرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمهم بليغ تقويته ما دلنا باضطرار قيام الحجة له علينا على معرفته، ولم تحط به الصفات، فيكون بإدراكها إياه بالحدود متناهيا، وما زال هو الله الذي ليس كمثله شيء عن صفة المخلوقين، متعاليا عن الأشباه والأنداد، وانحسرت العيون وجل عن أن تناله الأبصار، فيكون بالعيان موصوفا، وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته، فهاهات رويات المتفكرين، وليس له مثل فيكون بالخلق مشبها، وما زال عند أهل المعرفة به عن الأشباه والأنداد منزها، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بأصنامهم، وحلوه بتحلية المخلوقين بأوهامهم، وكيف لما لا يقدر قدرة مقدار في رويات الأوهام؛ لأنه أجل من أن تحده الباب البشر بتفكير، وهو أعلى من أن يكون له كفوء فيشبه بنظير، فسبحانه وتعالى عن جهل المخلوقين، فسبحانه وتعالى عن إفك الجاهلين، فأين يتاه بأحدكم، وأين يدرك ما لا يدرك، والله المستعان(1).

مخ ۲۳۸