فغضب أبو النور وقال: لست أكذب، فقد قال لي هذا.
فقال له الرجل: بل تكذب، فهو هنا.
ولم أطق أن أسمع هذه المحاورة السمجة، وأطللت برأسي من وراء الجذع، فصحت قائلا: وما لجاجتك أيها الرجل في شأني؟ ألم تسمع ما قاله لك؟
ولكن الرجل الجريء لم يعبأ بصياحي، فضحك وانطلق نحوي ومد يده إلي من وراء النخلة. فخجلت ولم أجد بدا من أن أمد يدي للسلام عليه . وما كدت أرفع عيني إليه حتى شهقت شهقة كمن رأى منظر عفريت فجأة، وصحت قائلا: أهو أنت؟
فقال الرجل: نعم هو أنا، أنا صديقك القديم.
وكان حقا صديقي القديم الحاج جمال الدين.
فقلت له مرتبكا: لا مؤاخذة يا سيدي، ولكني أرجوك إذا أردت أن أعيرك البطل الصامت ...
فقاطعني في لهجة تنم عن خبث: لا تخش يا صديقي، فما بي من حاجة إلى البطل الصامت.
فانشرح صدري عندما سمعته يذكر البطل الصامت بغير أن يسميه حمارا، ودعوته للجلوس معنا. فأخذ يثني علي ويترحم على أبي حتى لان قلبي له ونسيت كل ما كان منه. ثم بدأ يتكلم فيما جاء له؛ وكان قلبي يغوص في صدري كلما مضى في حديثه حتى كاد يبلغ كعبي.
نعم، فقد جاء يطلب مني قرضا؛ ثلاثين درهما نقدا وعدا. فتحركت حركة مضطربة كأنني أبحث عن مهرب ألجأ إليه، ولم أجد سوى صديقي أبي النور فقربت منه ولزقت به، والرجل مستمر في كلامه يصف شدة حاجته وصدق نيته في الوفاء، ووعد ألا يبقى الدين عنده أكثر من أسبوع. ثم قال لي إنه في خطر من تطليق زوجه أم ولده إذا هو لم يجد عندي الدراهم الثلاثين، فأكون أنا السبب في خراب بيته وتعذيب أهله وتفريق أسرته. ولست أكتم أنني شعرت بالرحمة تدخل إلى قلبي عندما تصورت الرجل وامرأته وأولاده، وما قد أجره عليه من الويل إذا عجزت عن إغاثته. وجعلت أقلب الفكر وأتلفت حولي وأسأل عما عندي، وأنا صامت حائر والعرق يتصبب من وجهي ويتقاطر على جوانب جسمي. وكان ما يزيد حيرتي أنني لم يكن عندي من النقود شيء مما يطلب مني، وما كنت أقوى على الاعتذار له بقلة ذات يدي. أأطلع الرجل على حقيقة أمري؟ أأقول له إنني لست أملك من هذه الدنيا ثلاثين درهما؟ أأنطق بهذا معتذرا فيحسبني كاذبا؟
ناپیژندل شوی مخ