فنظر الرجل إلي نظرة تنفث سما، ثم قام سريعا وأدار ظهره وخرج من الدار بغير أن يقرئني سلاما.
ألا ليتني أستطيع ألا أحمل سوى هموم نفسي.
ألا ليتني أقدر ألا أسعى إلا لخيري، ولا أنظر إلا في مصلحتي وتدبير أمري.
الفصل السادس
لا أجد في ماهوش كلها من له قلب يحمل المودة الصافية سوى صديقي أبي النور. هو كالماء الصافي البارد إذا اشتد الحر، وكالنسيم البليل يمسح الجبين المحموم في تواضع، وهو كالنور يهدي ولا يصدم. هو روح وذكاء وخير ومواساة، وهو يعطي من نفسه ولا يبدي ما ينم عن أنه يعطي. عيناه الغائرتان تملؤهما الرحمة، وصوته الخافت ينبض بالإخلاص، حتى لحيته الخفيفة تبعث الثقة وتوحي بالصدق.
كنا جالسين نتحدث في حديقة الدار - حديقتي الجرداء - ومر بنا الوقت سريعا كما تمر ساعات الأنس. ثم لاح رجل يخطو فوق السور داخلا. واتجه الرجل إلى باب الدار، وكنا نجلس في ستر بعض جذوع الشجر على مقربة من الساقية. فقال أبو النور: قم إليه لعله رجل جاء يدعوك إلى وليمة، أو لعله جاء إليك بهدية أو يرد إليك دينا.
فقلت له: أما إنك لم تعرف الناس يا صديقي. لو كان كذلك لما تخطى السور صامتا، ولصاح معلنا حتى يعرف أهل الحارة فيم أتى.
وقمت مسرعا إلى نخلة قريبة فاختفيت وراء جذعها، وقلت لصاحبي: قم أنت إليه وقل له إنني لست هنا.
فقام أبو النور يسعى إليه، وكان ضعيف البصر، فما رآه حتى كاد يصطدم به، ثم قال له في تردد: جحا يقول لك إنه ليس هنا.
فصاح الرجل به: أما تستحي أن تكذب؟
ناپیژندل شوی مخ