ذهب فريق من أهل العلم إلى أن الاستهزاء هو التحقير على وجه شأنه أن يتعجب منه، وهذا المعنى غير مستحيل على الله، فيصبح إسناده إليه تعالى على وجه الحقيقة. ورأى أكثر أهل العلم أن الاستهزاء لا ينفك عن التلبيس؛ كأن يظهر المستهزئ استحسان الشيء، وهو في الواقع غير حسن، أو يقر المستهزأ به على أمر، وهو غير صواب، وهذا المعنى لا يليق بجلال الله، فيجب حمل المسند إليه تعالى على معنى يليق بجلاله، فيحمل على ما يلزم # الاستهزاء من الاحتقار والإهانة، أو على ما يترتب عليه من الجزاء، والمعنى: يجازيهم على هزئهم بالعذاب.
وتسمية جزاء الذنب باسم الذنب معروفة في الكلام العربي، كما قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40].
وقال: {يستهزئ}؛ ليفيد بصيغة الفعل المضارع أن استهزاءه بهم - أي: احتقارهم، أو مجازاتهم على استهزائهم - يتجدد، ويقع المرة بعد الأخرى.
{ويمدهم في طغيانهم يعمهون}:
المد: الزيادة. والطغيان: الغلو في الكفر، والإسراف في العتو. والعمه: الضلال والعمى عن الرشد، أو أن يركب الإنسان رأسه، فلا يبصر الحق حقا، والباطل باطلا. ومد الله في طغيانهم: زيادته فيه بتمكينهم من المعاصي، أو بإملائه لهم؛ أي: إطالته لهم ما هم فيه من نعمة ورغد عيش، أو بإمهاله لهم. والمعنى: يمكنهم من المعاصي، أو يملي لهم، أو يمهلهم، حال كونهم يعمون عن رشدهم، أو يركبون رؤوسهم فلا يبصرون.
{أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى}:
مخ ۳۳