المشار إليهم هم المنافقون الموصوفون في الآيات السابقة بالكذب، والمخادعة، والفساد في الأرض، ورمي المؤمنين بالسفاهة، واستهزائهم بهم. ومعروف في علم البلاغة أن اسم الإشارة إذا أشير به إلى أشخاص وصفوا بصفات، يلاحظ فيه تلك الصفات، فهو بمنزلة إعادة ذكرها وإحضارها في أذهان المخاطبين، فتكون تلك الصفات - وهي هنا: الكذب، والمخادعة، وما عطف عليها - كأنها ذكرت في هذه الآية؛ ليعرف بها علة الحكم الوارد # بعد اسم الإشارة، وهو في هذه الآية: اشتراء الضلالة بالهدى. ومعنى اشتراء الضلالة بالهدى: اختيارها، واستبدالها به، وهذا لا يقتضي أنهم كانوا على هدى من ربهم فتركوه، بل يكفي فيه أن يجعل تمكنهم من الهدى؛ لقيام أدلته الواضحة، بمنزلة الهدى الحاصل بالفعل.
{فما ربحت تجارتهم}:
اختير في الآية السابقة التعبير بالاشتراء؛ للدلالة على اختيارهم الضلالة على الهدى، وزادت هذه الآية في تصوير الشراء أنه كان على وجه التجارة، والتجارة: التصرف في رأس المال ابتغاء الربح، والربح: استفادة مال زائد على رأس المال، والمعنى: أنهم لم يحصلوا من اشترائهم الضلالة بالهدى على ربح، وإذا كانت التجارة الحقيقية قد يفوت صاحبها الربح، ولا يقع في خسارة؛ بأن يبقى رأس ماله محفوظا, فإن التجارة المقصودة من الآية التي هي استبدال الضلالة بالهدى، لا يقابل الربح فيها إلا الخسران، فإذا نفى عنها الربح، فذلك معنى أنها تجارة خاسرة.
{وما كانوا مهتدين}:
جاءت هذه الجملة عقب الحديث عن استبدال المنافقين الضلالة بالهدى، فيكون المعنى: وما كانوا مهتدين إلى سبيل الرشد وما تتجه إليه العقول الراجحة من الدين الحق. ويصح أن يراعى في هذه الجملة إخراج ذلك الاستبدال في صورة المبايعة التجارية، فيكون المعنى: وما كانوا مهتدين إلى طرق التجارة الرابحة؛ حيث باعوا الهدى الذي هو مطلع النجاح والسعادة، بالضلالة التي هي مهواة الخيبة والشقاء.
مخ ۳۴