والله لا يخفى عليه صنيع المنافقين حتى يصح أنهم يخادعون الله على الحقيقة، وإنما سمى إظهارهم الإيمان وإبطانهم الكفر خداعا لله؛ لأن صورته صورة خداع. وأما خداعهم للمؤمنين، فبإظهارهم لهم أنهم إخوانهم في الإيمان يبتغون إرضاءهم، وهم يضمرون لهم العداوة، ويتربصون بهم الدوائر، أو بمجالستهم حتى يطلعوا على أسرارهم، فينقلوها إلى أعدائهم.
{وما يخدعون إلا أنفسهم}:
الأنفس: جمع نفس بمعنى: ذات الشيء وحقيقته؛ أي: إنهم لم يخادعوا الله؛ لعلمه بما يسرون، ولم يخدعوا المؤمنين؛ لأن الله يدفع عنهم ضرر خداع المنافقين.
وإنما يخدعون أنفسهم؛ أي: ذواتهم؛ لأن ضرر المخادعة عائد عليهم، ووبالها لاحق بهم.
{وما يشعرون}:
الشعور: العلم الحاصل بالحواس، ومنه: مشاعر الإنسان؛ أي: حواسه، والمعنى: ما يعلمون أنهم في الواقع إنما يخدعون أنفسهم، مع أن لحاق ضرر المخادعة بهم واضح وضوح ما لا يخفى إلا على فاقد الحس، ويستعمل الشعور بمعنى: إدراك الشيء من جهة تدق، وهو الفطنة، ومنه أخذ الشاعر؛ لإدراكه دقائق المعاني، فإن حمل الشعور في الآية على هذا المعنى، كان قوله تعالى: {وما يشعرون} في معنى: لا يدركون أنهم في الحقيقة يخادعون أنفسهم دون من سواهم؛ لأن ظلام الغي ضرب في قلوبهم، وجعلهم أغبياء لا يفطنون لمعاني دقيقة لو فطنوا لها، لرجعوا عن خداعهم، وأقلعوا عن نفاقهم.
مخ ۲۶