وبعد أن ذكر قصة الفريق الثاني من الناس، وهم الكافرون بألسنتهم وقلوبهم، عطف عليها قصة الفريق الثالث، وهم الذين يبطنون الكفر في قلوبهم، ويظهرون الإيمان بأفواههم؛ أعني: المنافقين، فقال تعالى:
{ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}:
الناس: اسم لجماعة الإنس. واليوم الآخر: هو الوقت الذي يبتدئ بالبعث، ولا ينقطع أبدا، وقد يراد منه: اليوم الذي يبتدئ بالبعث، وينتهي باستقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
واقتصر هؤلاء المنافقون في إظهار الإيمان على ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر؛ ليموهوا على المؤمنين بادعاء أنهم أحاطوا بالإيمان من جانبيه؛ فإن من يؤمن بالله واليوم الآخر إجابة لدعوة الرسول، شأنه أن يكون مؤمنا برسل الله وملائكته وكتبه.
وقولى تعالى: {وما هم بمؤمنين} رد لما ادعوه من الإيمان، ونفي له على أبلغ وجه؛ إذ جاء النفي مؤكدا بالباء في قوله: {بمؤمنين}. إن الجملة نفث عنهم الإيمان بإطلاق، فافادت أنهم ليسوا من الإيمان في شيء، لا من الإيمان بالله واليوم الآخر، ولا من الإيمان بغيرهما.
{يخادعون الله والذين آمنوا}:
هذا بيان للغرض الذي دعاهم إلى أن يقولوا: آمنا بالله وباليوم الآخر وهم كاذبون. والخداع في أصل اللغة: الإخفاء والإبهام، ويستعمل في إظهار ما يوهم السلامة، وإبطان ما يقتضي الإضرار بالغير، أو التخلص منه. ويخادعون بمعنى يخدعون، وكثيرا ما يجيء فاعل بمعنى فعل، نحو: عافاه الله، وعاقبت المجرم.
مخ ۲۵