Suami Saya Tharwat Abaza

Afaf Aziz Abaza d. 1438 AH
21

Suami Saya Tharwat Abaza

زوجي ثروت أباظة

Genre-genre

زار الأهرام شخصية عربية هامة في السبعينيات، وتكلم الضيف في الندوة، وقال: إن مصر باعت القضية واستسلمت؛ فهب ثروت واقفا وقال بانفعال شديد: إن مصر لم تبع القضية ولم تستسلم وإنما استرجعت أرضها بالحرب ثم بالسلم، ولماذا تكون أرضكم عزيزة عليكم وتعجبون أن تكون أرض مصر عزيزة علينا؟ فغضب الضيف العربي الكبير وشكا ما كان من ثروت، ولما سئل أجاب كيف أسمع تحقير بلادي ولا أرد؟

وكان مؤيدا ومن كل قلبه للرئيس أنور السادات بعد حرب 73 ثم مؤيدا وبكل حماس وصدق للرئيس محمد حسني مبارك، وكان يعلن تأييده على صفحات الأهرام في مقالاته الأسبوعية، وطلب منه ابنه دسوقي أن يخفف من حماسه لأن خصومه يتهمونه بأنه منافق (ويعلم الله أنه لا يعرف النفاق) فرد عليه قائلا: لو كنت منافقا لنافقت عهد الطغيان، ولو كنت منافقا ما شاركت الأستاذ الكبير نجيب محفوظ والأستاذ الكبير توفيق الحكيم في إرسال بيان جريء إلى الرئيس أنور السادات قبل حرب 73 نقول فيه: «ما دام ليس هناك حرب فلا داعي لشعار لا صوت يعلو على صوت المعركة.» وقد أقالني الرئيس من الاتحاد الاشتراكي - مع أني لم أكن عضوا فيه في يوم من الأيام - ولكن كان هذا لإظهار الغضب، ولو كنت منافقا ما دافعت عن بشوات ما قبل الثورة؛ لأن الدفاع عنهم يعتبر جريمة لا تغتفر، والثورة بحديدها ونارها وجبروتها وعنفوانها لم تستطع أن تثبت الخيانة على واحد من باشوات مصر وفديا كان أم سعديا أم مستقلا، ولو كنت منافقا ما قال عني الأديب العالمي نجيب محفوظ: إن ثروت لم يكن يوما من الأيام ممن ينافقون السلطة؛ ولذلك بقي بلا عمل حتى اقترب من الخمسين.

وكان وجه الشبه بيننا أن كلا منا له ضمير حساس ويجري في دمائه حب الشرف، وكلانا يحب الشعر، ومن حسن حظه أنني أحب الأدب وأحس بكل ما يكتبه، وكلانا يحب كل ما هو جميل.

أما أوجه الاختلاف بيننا فكانت في الحياة اليومية وليس في الخطوط العريضة؛ فقد كان هو صريحا إلى أبعد درجة، ويواجه الناس بالحقائق في غير مواربة، وكنت أغضب شفقة عليهم، وأحيانا أتبنى رأيهم حتى ولو لم يكن رأيي، وهذا كان أساس خلافاتنا خصوصا في أول الزواج. وكنا نختلف أيضا في طريقة تربية الأولاد؛ فهو أب يملأ قلبه الحنان والعطف على أولاده، لا يحب أن يراهم يبكون، ولا يحب أن يعاقبهم أحد، وكنت أرى أن من واجبي أن أوجههم وأعلمهم باللين أولا ثم بالشدة ثانيا وكانت هذه الشدة مثار الخلاف بيني وبين زوجي.

وكنا نقضي سهرة رأس السنة في غرفتنا وعلى مدى 52 عاما هي عمر زواجنا، سهرنا خارج المنزل مرة عند الفنان العظيم صلاح طاهر، وكانت تربطنا به وبزوجته العظيمة صداقة وطيدة، ومرة عند الكاتب الكبير أنيس منصور ، وكنا على ود وصداقة جميلة وعرفنا زوجته السيدة الفاضلة الجميلة شكلا وخلقا، أما باقي السنوات فكنا كما ذكرت نقضيها في غرفتنا ومعنا أمينة ودسوقي وهما أطفال صغار، وكان احتفالنا بالسنة الجديدة أن نشتري «تورتة» نأكلها معا ثم نقبل أولادنا الساعة 12 ونتسابق جميعا لننام.

ولما وصل أبناؤنا إلى سن 12، 14 سنة كانا يتهكمان على هذه السهرة العائلية ويحكيان لأقاربهما وأصدقائهما ما يحدث ليلة رأس السنة عندنا، ويسخرون من الطقوس التي نتبعها دائما في نفس هذا اليوم.

إلى أن كبرا وتزوجا، وبقينا وحدنا واستغنينا عن «التورتة» واكتفينا بمشاهدة التليفزيون والنظر في الساعة كل خمس دقائق متعجلين نهاية السهرة، وعندما نتأكد أن إشراقة السنة الجديدة قد هلت علينا يتمنى كل منا للآخر سنة سعيدة.

وكنا نقضي شهر سبتمبر من كل سنة في سويسرا على مدى سنوات طويلة، وكان يكتب رواية كل مرة في لوزان ويكملها في أسبوعين، في حين تستغرق في مصر عاما بأكمله؛ فهناك الهدوء والجو الجميل والمناظر الساحرة توحي بالأعمال الجميلة، بالإضافة إلى عدم قطع الكتابة بتليفون أو بمتطلبات الحياة عندنا. وكنا نستأجر شقة صغيرة صاحبتها سيدة في التسعين ولكنها بصحة ممتازة ونشاط يلفت النظر، وكانت عندما تدخل عليه وهو يكتب تنظر بانبهار إلى الصفحات المكتوبة ويزداد انبهارها وتقول «سيد أباظة يكتب بثبات ولا أرى أية كلمة مشطوبة بالمرة!» وهناك في أوروبا ينظرون إلى الكتاب والمؤلفين نظرة كلها إعجاب بل وتقديس.

وإني الآن وأنا أكتب أعجب مما يحدث؛ فأنا أشطب في كل صفحة وأعيد كتاباتها أكثر من ثلاث مرات، وأظن أن سبب هذا أنني لست كاتبة ولا محترفة، وكان زوجي عندما كنت أكتب كتاب «أبي عزيز أباظة» سنة 1973م، وعند عودته من عمله مساء يدخل غرفة النوم فيجدني جالسة على السرير وأوراقي مبعثرة حولي، تضيع مني ورقة؛ فأكتب غيرها، ثم بعد ذلك أجدها، وكان يضحك من منظري وأنا أتقمص دور المؤلفة، ويا ليته يراني الآن بعد مرور ثلاثين عاما وأنا أكتب عنه بعد رحيله بنفس الطريقة الفوضوية، ولكن بنفس الحماس وبنفس الصدق.

وغيرنا هذه الشقة وفضلنا أن ننتقل إلى فندق بسيط في لوزان يطل على بحيرة «ليمان» وكنت أستيقظ في الصباح الباكر وأنزل «كافتيريا» الفندق وأتناول إفطاري وأستمتع بفنجان القهوة باللبن المشهور في أوروبا لتكسبني نشاطا أستطيع أن أقوم بمهامي، وعندما يستيقظ زوجي أطلب له الإفطار في الغرفة وعلي أن أصب الشاي واللبن في الفنجان وأقلب السكر وآتي بالسجائر والولاعة، وقبل ذلك كله أجهز الدواء قبل الأكل وبعده، وكان هذا روتينا في أوروبا فقط، وكان كثيرا ما يقول لي: «لماذا لا تتناولين إفطارك معي؟» فأقول له: «لو تناولته معك ما استطعت أن أسدي لك أية خدمة من هذه الخدمات، فلا بد لي أن أشرب القهوة أولا وبعد ذلك أستطيع أن أساعدك.»

Halaman tidak diketahui