Suami Saya Tharwat Abaza
زوجي ثروت أباظة
Genre-genre
وبما أننا نتكلم عن غزالة، فقد كان عاشقا للقرية التي نشأ فيها، ونعم بأرضها وسمائها، وتعلم فيها وغاص في أعماقها؛ فقد تبرع بقطعة أرض لإنشاء مركز للشباب بها، كما سعى بعد ذلك لإنشاء مدرسة ابتدائية، وأدخل السنترال، وأهدى الجامع الذي بناه والده دسوقي باشا إلى وزارة الأوقاف، فهدمته وأنشأت بدلا منه جامعا كبيرا، وكان والده قد تبرع من قبل بقطعة أرض ليبني عليها معاهد دينية ابتدائي وإعدادي وثانوي. وأسوق هنا قصة غريبة وهي أميل إلى الطرفة، ولكنها حدثت فعلا؛ فقد اشترى «يوسف عبد القادر الكلاف» في القرية من ثروت قطعة أرض صغيرة في الخمسينيات وكان سعر الفدان زهيدا، فقد اشترى قيراطين ليبني بيتا صغيرا، واتفق مع ثروت أن يدفع جزءا من ثمنها والباقي على أقساط، ولكن الذي حدث أنه عجز عن دفع القسط الأول فاقترح أن يسمن ديكا روميا ويدفعه بدلا من كل قسط، ووافق ثروت، واستمر الأمر على هذه الحال حتى سدد ثمن القيراطين كاملا.
وإن دلت هذه القصة على شيء فعلى أن قلبه منسوج من البر والرحمة.
تعرض منزله في قرية غزالة للسرقة؛ فكبر على نفسه أن يسرق بيته من أهل غزالة التي نشأ على حبها، وأمسك التليفون فورا واتصل بمدير الأمن بالزقازيق ولما سأله المدير عن عنوان غزالة قال «غزالة الخيس.» ولم ينس وهو في أوج انفعاله وثورته أنه عاشق للغة العربية فقال لمدير الأمن «الخيس معناه بيت الأسد.» ثم ظهر أن اللصوص ليسوا من أهل غزالة.
وكان إيمانه بالله لا حدود له، يسلم له أمره، ولا تساوره الهواجس أو القلق، إنما هو مؤمن وتغمره الثقة أن الله لن يضيره أبدا.
وكان يتهمني بضعف إيماني؛ وذلك لأني أخاف من «الأسانسير» وأخاف من الظلام، وأخاف على أولادي إذا تأخروا، وأتخيل سيناريوهات كلها مؤلمة، وكنت لا أقول لزوجي، ولكنه كان يلاحظ على وجهي ما أخفيه من فزع فيقول لي:
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
وكنت أخاف من الطائرة وكان يمكن أن ينام هو ونحن معلقون بين السماء والأرض، في حين أظل أنا مستيقظة أنصت إلى صوت المحركات وأراقبها. وفي مرة أحسست بانخفاض في صوت المحركات بعدما كانت مدوية؛ فأصابني الهلع، وبعد ثوان خرج مساعد الطيار ممسكا في يده فنجانا من القهوة وكأنه ليس في الأمر شيء، وقال: إننا مضطرون إلى الهبوط في أثينا لسوء الأحوال الجوية في جنيف وهي مقصدنا؛ فتأكدت أن كارثة على وشك الوقوع. وفي أثناء الهبوط سأل زوجي هذا المساعد عن السبب الحقيقي فقال: «إن محركا من محركات الطائرة قد توقف.» فأدركت أن من شدة خوفي أحسست بانخفاض صوت المحركات، وكان ثروت هادئا يحاول أن يهدئ من روعي وكنت أحسده لأنه لا يهاب الموت، وإنما إيمانه ينشر السكينة في قلبه.
وكان دائما ينتقدني لأنني عندما تعجبني مقالة وتدخل إلى أعماقي أتحمس وأحب أن أكلم صاحبها لأهنئه، وإذا رأيت فنانا أجاد دوره وبرع فيه كالفنان العظيم محمود ياسين في مسلسل «أبي حنيفة النعمان» الذي أذهلتني براعته وتعمقه في الشخصية وأردت أيضا أن أهنئه، أعجبت بدور الفنان العملاق نور الشريف في مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» فقد كان أداؤه فوق القمة، ودور الفنان عمر الحرير في مسلسل «عمر بن عبد العزيز» الذي جسد فيه عبد الملك بن مروان؛ كان رائعا، وفي رأيي كان يستحق عليه جائزة، ودور الحجاج في نفس المسلسل الذي قام به الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة بقوة واقتدار.
وأعجبت بمطربة شابة ذات صوت جميل أصيل، ولكنها كانت ترتدي فستانا لا يناسب سنها، ويظهر من كتفها ما كنت أفضل أن يستر، وعلى رغم أن الفستان ليس عاريا إلا أنني كنت أحب أن أقول لها: «إن صوتك وحده سيبلغ بك إلى أعلى الآفاق؛ فلا داعي لإظهار القليل من كتفك، فصوتك لا يحتاج إلى أية مساعدة من مظهرك، فكوني بسيطة في أزيائك واحرصي على أن تناسب سنك.» أما الفنانة الكبيرة سميرة أحمد فقد رأيتها في رمضان تتحدث في برنامج «على الورق» قالت: «إذا أردت أن أتكلم عن الفنانات في مصر فإنني أستثني الفنانة العظيمة «فاتن حمامة» فلا أحد منا يستطيع أن يصل إلى مستوى فنها وعبقريتها.» أردت أن أهنئها على هذه البساطة وعلى إنكار الذات.
ولما قلت لزوجي: إنني سأهنئهم جميعا شبهني بسيدة نعرفها وننتقدها دائما لأن لها رأيها الخاص في كل المواضيع العامة، وتتصرف بناء على هذا الرأي، فهي تكلم التليفزيون وتهاجمه بشدة وإذا صدر في الصحف قرار لا يعجبها تتصل بصاحب القرار وتناقشه وتهاجمه، وكان زوجي يقول عنها: إنها تدس أنفها في كل شيء! ولا يكف عن السخرية من ضعف عزيمتي، ولم أكلم أحدا بعد هذا التشبيه.
Halaman tidak diketahui