61

Hari Islam

يوم الإسلام

Genre-genre

نهب التتر سواد آمد، وارزن، وميا فارقين، وقصدوا مدينة اسعرد فقاتلهم أهلها، فبذل لهم التتر الأمان فوثقوا منهم واستسلموا، فلما تمكن التتر منهم بذلوا فيهم السيف وقتلوهم، حتى كادوا يأتون عليهم فلم يسلم منهم إلا من اختفى، وقليل ما هم ... وساروا في البلاد لا مانع لسيفهم، ولا أحد يقف بين أيديهم، فوصلوا إلى ماردين، فنهبوا ما وجدوا من بلدها ... ثم وصلوا إلى نصيبين والجزيرة، فأقاموا عليها بعض نهار، ونهبوا سوادها، وقتلوا من ظفروا به ... ومضى طائفة منهم على طريق الموصل، فوصلوا إلى قرية تسمى المونسة فنهبوها، فلما فرغوا أخذوا يلعبون على الخيل، ويضحكون ويغنون بلغتهم ... وقيل إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية أو العزبة أو الدرب وبه جمع كثير من الناس فلا يزال يقتلهم واحدا بعد واحد، لا يتجاسر أحد أن يمد يده إلى ذلك الفارس. واستولوا على أربل، ولم يقف في وجوههم فارس، وهذه مصائب وحوادث لم ير الناس من قديم الزمان وحديثه ما يقاربها، انظر تاريخ الخميسي ص376. «وفي سنة ست وخمسين وستمائة وصل الطاغية هولاكو بن تولي بن جنكيزخان إلى بغداد بجيوشه وبالكرج وبعسكر الموصل، فانكسر المسلمون أمامه لقلتهم، ونزل قائده ياجونوس على بغداد من غربيها وهولاكو من شرقيها، ثم خرج المستعصم لتلقيه في أعيان دولته وأكابر الوقت، فضربت رقاب الجميع، وقتلوا الخليفة ورفسوه حتى مات، ودخلت التتار بغداد واقتسموها وكل أخذ ناحية، وبقي السيف يعمل أربعة وثلاثين يوما وقل من سلم فبلغت القتلى ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة ، فعند ذلك نادوا بالأمان . وكان مجيء هولاكو فيما يقال بدعوة الوزير ابن العلقمي الرافضي؛ إذ كان يعتقد أن هولاكو سيقتل المعتصم ويعود إلى حال سبيله، وعندئذ يتمكن الوزير من نقل الخلافة إلى العلويين. وقد نهب المغول دار الخلافة حتى لم يبق فيها لا ما قل ولا ما جل، ثم أحرقت بغداد بعد أن قتل أكثر أهلها، ثم عدى هولاكو الفرات بجيوشه لمحاصرة حلب، فلما دخلوها وضع السيف يومين وأبادوا الخلق، وقصد قلعة دمشق وحاصرها التتار وبالآخرة نزل أهلها وسكنها التتار، وسلموا قلعة بعلبك، وأخذوا نابلس وغيرها بالسيف.»

وبعد أن كان العرب متجانسين في عاداتهم الساذجة البدوية ذابت فيهم العادات الرومية، فعقدوا المجالس كما كان يعقدها القياصرة وتأنقوا في الملابس والسباق والزواج، وأنشئوا الأعياد، فكانت مجالس الخلفاء فرشها الأثاث القطني في الصيف والصوفي في الشتاء، على أتم أسلوب، وأفخم طريقة. ويروون عن هشام أنه خرج حاجا فجعل ثيابه على ظهر ستمائة جمل، ورووا أنه لم يلبس ثوبا قط يوما وفاء إليه. ويروى عن سليمان بن عبد الملك أنه قال لجارية له حجازية كيف ترين هيئتي، قالت: أنت أجمل الناس، قال: أنشديني على ذلك، فقالت:

أنت خير المتاع لو كنت تبقى

غير أن لا بقاء للإنسان

أنت خلو من العيوب ومما

يكره الناس غير أنك فان

فلما جاء العباسيون نقلوا إليهم مدنية الفرس بشرابها، والتغزل بنسائها، وخمرها، والغزل بالمذكر، والاحتفال بالنيروز، والاحتفال بالورود والرياحين، وإدخال الأطعمة المختلفة كالفالوذج واللوزينج ونحوهما والتزيد فيما يقولون وهكذا.

ولما جاء الأتراك أدخلوا عاداتهم أيضا من فخفخة وعجرفة، وتعاظم بجنسهم واحتقار لغير جنسهم، واهتمام بظواهر الإسلام لا بباطنه، وخشونة في المعاملة إلى غير ذلك، وهكذا أصبحت الأمة الإسلامية مسرحا لكل هذه الأخلاق والعادات بعد أن كانوا عربا سذجا فطريين.

وقد كان الصحابة والتابعون الأولون لا يعرفون فرقا كبيرا بين الظاهر والباطن، بل يمزجون الظاهر بالباطن؛ فيقيمون الشعائر، ويقدرون النية، وفي الحديث: «إنما الأعمال بالنيات» ولكن تغالى الفقهاء في أعمال الظاهر حتى اخترعوا الحيل للتخلص من أحكامها، ونسي بعضهم الباطن نسيانا تاما ، فظهرت المتصوفة تغلو في الباطن كما غلا الفقهاء في الظاهر، وساعد على وجود المتصوفة ظلم الحكام، ولجوء المتصوفة إلى الهرب من ظلمهم والاعتماد على الآخرة؛ إذ لم تحسن الدنيا، واستغل الشيعة أمر الظاهر والباطن؛ فادعوا أن القرآن له ظاهر وباطن، وأن الباطن إنما يصل إليه من الطريق اللدني الأئمة المعصمون والعلماء الراسخون، وإنما العامة تفهم القشور فقط والظواهر فقط؛ ولذلك سموا بالباطنية، والحق أن هذه النزعة الصوفية ظهرت في آخر أيام الدولة الأموية على يد الحسن البصري في البصرة، ثم ظهرت في العهد العباسي على يد جابر بن حيان الكيميائي الشيعي، وأبي العتاهية في الكوفة، ثم انضمت هذه الجماعات حلقات في بغداد، فهم يلقون دروسهم في مساجدها وفي الأوساط الخاصة المختلفة، واستعاروا من رهبان النصارى أرديتهم الصوفية البيضاء، ومن أجل ذلك سموا بالصوفية، وكان على رأس هؤلاء المحاسبي الذي ولد في البصرة ثم نزل بغداد، وما زال الفقه يغلو في الظاهر ولا يتعرض للباطن حتى أصبح قشورا، كما كان التصوف يغلو في الباطن وكان مرتعا خصبا للخرافات والأوهام والتحرر من الشعائر وارتكاب الموبقات، واخترعوا بجانب التصوف الموسيقى، والذكر، والشطح، والرقص، وغير ذلك. وكان لهم أثر كبير في النظام الاجتماعي المتهافت، وكان من نتائج هذا الصراع الشديد بين الفقهاء والمتصوفة، وتقرب الفقهاء من السلاطين لخدمتهم وتوغير صدورهم على الصوفية؛ أن آل الأمر إلى سجن بعضهم كما فعل بمحي الدين بن العربي، وقتل بعضهم كما فعل بالحلاج والسهروردي.

وإذا قلنا إن الوحدانية الخالصة عقيدة صعبة، والتمسك بها عسير؛ فقد بدأ المسلمون ينسونها، فبدءوا يعظمون الخلفاء الأمويين تعظيم قبائل العرب لشيوخها، وبدأ العباسيون يعظمون الخلفاء تعظيم الفرس لأكاسرتها، ثم تعظيم أمراء الأتراك كتعظيم العباد للسادة، وأداهم الترف إلى أن يعبدوا الشهوات والمال كعبادة الله، ثم يعبدوا الأولياء والأضرحة كما كان الجاهليون يعبدون آباءهم، وانهارت وحدانية الإسلام العظيمة الجليلة التي تبعث في نفوس أهلها العزة والسمو.

Halaman tidak diketahui