...وقد وقفت على شيء من كلام بعض الفقهاء المشار إليه في كلام ابن فرحون ولتحقيقه محل غير هذا والله أعلم ومن ذلك أمر الزيادة في النخل المغروس برحبة المسجد فينبغي المنع منه ولتحقيق ذلك أيضا محل غير هذا والله أعلم ومن ذلك ما أشرنا إليه في الباب الثاني من الصلاة على بعض الموتى بمقدم الروضة المنيفة مع جعل رجليه إلى الجهة الشريفة فالمتعين صرفهما إلى جهة المنبر الشريف إن لم يكن بد من الصلاة بهذا المحل على ما حققناه في الأصل ومن ذلك أمر الموضع الذي يقوم عليه الخطيب بمصلى العيد لأهل المدينة الغربي موضع محل الحاج وهو آخر الأماكن التي صل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد ولا يعرف اليوم من ذلك الموضع غيره على ما ذكره المؤرخون وهو محوط عليه ببناء في جانبه القبلي محراب الظاهر أنه في موضع مصلاه صلى الله عليه وسلم لأنه كان معلوما معلما بعلم عند دار كثير بن الصلت كما سيأتي وباب هذا المصلى في حائطه الشامي مما يقابل المحراب وخارج بابه درج يصعد منه على موضع لطيف على وجه الباب وميمنته وأحدث الأمير برد بك المعمار في داخله أيضا درجا بالحائط الشامي يتوصل منها إلى ذلك الموضع وجعل أمامه من خارج المسجد مسقفا ليجلس عليه المبلغون أمام الخطيب وذلك في دولة السلطان الملك الأشرف إينال واتخذ له شراريف وزاد في الدرج التي يقوم عليها الخطيب لجهة داخل المسجد أيضا وكحل ما بين أحجاره من الخلل بالنورة وذلك سنة إحدى وستين وثمانمائة فاجتمع أعيان المدينة الشريفة وجميع أهل السنة في يوم العيد بالمصلى المذكور بحيث لا يبقى خارجه إلا القليل منهم وجماعة الخدام لأن العادة استمرت بأن صفهم يكون أمام الموضع الذي يقوم عليه الخطيب وبين يديه لما قدمناه في الباب الثالث ويجتمع هناك أيضا بعض الشيعة ثم يحضر الإمام وقت الصلاة فيصلي بهم العيد بالمحراب الذي هو داخل المصلى المذكور، ثم يخرج منه ويتخطى رقاب الناس ويخترق صفوفه إلى أن يأتي شامي المسجد فيصعد على تلك الدرج التي قدمناه من خارج المسجد إلى أن يصل إلى أعلاها فيستدبر القبلة ويستقبل جهة الشام على عادة الخطباء ثم يخطب قائما هناك فيصير جميع من في المسجد خلف ظهره ثم إنهم يستدبرون القبلة ويستقبلون ظهره ومن يصلي خارج المسجد لا يشاهده أيضا لحيلولة السقف المحدث الذي قدمنا وصفه بينهم وبينه وهذا كله خلاف السنة على ما صرح به الأئمة وخلاف ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع بخصوصه فأما مخالفته لتصريح الأئمة فقد قالوا: السنة كون المنبر الذي يقوم عليه الخطيب على يسار المحراب تلقاء يمين المصلي إذا استقبل المحراب وهو مراد قول النووي في كتبه: ويسن كون المنبر على يمين المحراب أي يمين مستقبله كما قرره شيخنا المحلي إذا المحراب في الحقيقة إنما يعتبر له اليمين واليسار بحسب مستقبله واستدلوا على ذلك بكون منبره صلى الله عليه وسلم كان كذلك كما هو المشاهد في مسجده صلى الله عليه وسلم إلى اليوم فإن المنبر والمحراب لم يغيروا عن موضعهما بالإجماع كما ذكره المؤرخون وذكر الأصحاب توجيه ذلك أنه به يتأتى ما قالوا ومن أن السنة للخطيب إذا صعد المنبر يستدبر القبلة ويقبل على القوم وهم أمامه لأنه لو استقبل القبلة فإن كان المنبر في صدر المسجد كما هو السنة كان خارجا عن مقاصد الخطاب وإذا كان في آخره فإن استقبل هو القبلة فإن استدبروا واستقبلوا أيضا لزم ما تقدم كونه خارجا عن مقاصد الخطاب وإن استقبلوه والحال ما ذكر لزم ترك الاستقبال بخلق كثير وتركه لواحد أسهل.... قال الأسنوي: وقيل إن استقبال الخطيب القوم شرط في الصحة وهو جار في استدبارهم له وفيما إذا خالف هو أهم الهيئة المشروعة أي كقعودهم على جنب قاله في الاستذكار ونقله عنه في الروضة فحصل من هذا أن الهيئة المتقدمة خلاف السنة كما نقله الأئمة وأما مخالفة ذلك لما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وسيرته كما نقله الثقات أنه لم يقم في خطبة العيد على منبر بل كان يستقبل الناس ويخطبهم وهم على صفوفهم قال الإمام البخاري في صحيحه: باب الخروج إلى المصلى بغير منبر حدثني محمد بن جعفر قال أخبرني يزيد بن عياض بن عبد الله عن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيكون مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعة أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف.
فقال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في ضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذ منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي بثوبه فجذبني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيرتم والله فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم.
فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. ...قال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر في شرحه المراد بقوله إلى المصلى الموضع المعروف بالمدينة وبينه وبين باب المسجد ألف ذراع.
قال عمر بن شبة في (أخبار المدينة) عن أبي غسان صاحب مالك ورواية ابن حبان من طريق داود بن قيس فينصرف إلى الناس قائما في مصلاه.
Halaman 172