قلت: وهذا يبين أن هذا معنى قوله في رواية البخاري ينصرف فيقوم مقابل الناس وهو صريح في مخالفة ما يفعل المصلي في هذه الأزمان لفعله صلى الله عليه وسلم إذ هو صريح في استقباله صلى الله عليه وسلم للناس وهم على صفوفهم وقد ترجم البخاري له بعد ذلك فقال: باب استقبال الإمام بالناس في خطبة العيد وأورد فيه طرفا من حديث أبي سعيد المذكور قال الزين ابن المنير: وإنما أعاد البخاري هذه الترجمة مع أنه قدم نظيرها في الجمعة لدفع توهم أن العيد يخالف الجمعة في ذلك، وأن استقبال الإمام في الجمعة ضروريا لكونه يخطب على منبر بخلاف العيد فإنه يخطب فيه على رجليه لحديث أبي سعيد المذكور فأراد أن يبين الاستقبال سنة على كل حال.
وفي رواية لابن خزيمة مختصرة خطب يوم عيد على رجليه قال الحافظ شيخ الإسلام: وهذا يقتضي إن لم يكن في المصلى في زمنه صلى الله عليه وسلم منبر إلى أن اتخذ لمروان ويدل عليه قول أبي سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وقد وقع في المدونة لمالك ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال: أول من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت.
وهذا معضل وما في الصحيحين أصح فقد رواه مسلم عن طريق داود بن قيس عن عياض نحو رواية البخاري ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ولم يطلع على ذلك أبو سعيد لكن قلت: روى أبو داود وغيره من حديث ذكر أنه غريب وأن سنده جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى.
وفي رواية للترمذي أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى الاستسقاء حتى أتى إلى المصلى فرقى على المنبر، فهذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم خطب في الاستسقاء على منبر.
وكان ذلك هو المستند لمن أحدث المنبر في خطبة العيد قياسا على الاستسقاء، وكأنه صلى الله عليه وسلم إنما خص خطيب الاستسقاء بالمنبر دون العيد ليتيسر رؤيته لعامة الناس بها فيقتدوا به في تحويل الرداء عند تحويله وفي كيفية رفع اليدين في الدعاء ونحو ذلك مما هو من خواص خطبة الاستسقاء على أن في كتب الحنفية في الاستسقاء قال المشايخ: ولا يخرج منبر والله أعلم.
Halaman 173