بقتل أحد غير ابن الحواري فقط. ثم قال له: الخليفة أيده الله يقول: سلمت إليك قومًا بمال ضمنته لي، فإما وفيتني المال أو رددت علي القوم. فاضطرب ابن الفرات من هذا القول وقال: أما المال فصح في بيت المال، وأما الرجال فماتوا
حتف أنفهم، فقال له مؤنس: هب لك عذرًا في كل شيء، أي عذر لك في إخراجي إلى الرقة حتى كأني من العمال المصادرين أو من أعداء دولة أمير المؤمنين؟ قال: فأنا أخرجتك؟! فقال: فمن؟ قال: مولاك. في السفط الخيزران المكتوب عليه بخطي: ما يحتفظ به من المهمات رقعة بخط الخليفة، أطال الله بقاءه، إلي يشكو فيها أفعالك وقتًا بعد وقت، وفتحك البلدان ثم إغلاقك إياها بالتدبيرات القبيحة، ويأمر بإخراجك إلى الرقة والتوكيل بك حتى تخرج. فأنفذ الخاقاني وأحضر السفط وعليه ختم ابن الفرات وفتحه فوجدت الرقعة من المقتدر على ما حكي من مضمونها. فأخذها مؤنس ومضى من وقته إلى المقتدر حتى أقرأه إياها، فاغتاظ المقتدر بالله علي ابن الفرات، وأمر هارون بن غريب بضربه بالسوط، فعاد وأقامه بين الهنبازين وضربه خمس درر وقال له: أذعن يا هذا بالمال، فكتب له خطه بعشرين ألف دينار. وأخرج المحسن وضربه حتى كاد يتلف فلم يعف بشيء وصار هارون إلى المقتدر بالله واستعفى من مطالبة ابن الفرات وابنه وقال: هؤلاء قوم قد استقتلوا وما ينقادون ولا يذعنون. فأمر بتسليمهما إلى نازوك وإيقاع المكروه بهما. فأوقع نازوك المكاره بالمحسن حتى تدود بدنه ولم يبق فيه فضل لضرب. وضرب ابن الفرات ثلاث دفعات بالقلوس فلم يعط شيئًا، ولا صح للمحسن في مدة حياته أكثر من سبعة آلاف دينار منها خمسة آلاف أقر بها الحسن بن شبيب العتي تبرعًا، وواجه المحسن بأمرها فأنكر أن يكون له وقال: هذا مال اجتمع من الوقف الذي كان والدي أسنده إلي وترك عند ابن شبيب لينضاف إليه غيره ويفرق في أهله. ومنها ألف دينار اجتمعت من ثمن فرش وثياب صحاح ومقطوعة كانت مودعة عند بعض التجار بسوق العطش. وأقرت بها دنانير ورهبان جاريتا زوجة المحسن، فإنهما كانتا ممن قبض عليهما وضربهما ابن بعد شر ضربًا مبرحًا فلم تقرا بغير ذلك. واستبطأ المقتدر بالله أبا القاسم الخاقاني وقال له: أين أموال ابن الفرات وابنه التي ضمنتها لي؟ فقال: لم أترك تدبير أمرهما، ولما رأيا أن قد سلما إلى أصحاب السيوف وعدل بهما عن الكتاب خافا القتل وضنا بأموالهما. وقال نازوك: قد بلغت في مكاره القوم إلى الغاية، وللمحسن أيام لم يطعم فيها طعامًا، وإنما يشرب الماء شربًا قليلًا، وهو في أكثر أوقاته مغشي عليه. فقال المقتدر بالله: إذا كان الأمر على ذلك فليحملا إلى داري. فقال مؤنس والجماعة: الأمر لمولانا. وقال الخاقاني: قد وفق الله رأي أمير المؤمنين. وخرجوا من بين يديه. فقال الخاقاني لهم: ما قال أمير المؤمنين ذلك إلا وقد واصل أسباب ابن الفرات مكاتبته بأنه متى حمل وابنه إلى داره ورفها وأمنا على نفوسهما أديا مالًا كثيرًا. ولعلهم قد بذلوا عنهما ألف ألف دينار وأكثر. وأشار بأن يجتمع القواد ويتحالفوا على أنه متى نقل ابن الفرات وابنه إلى دار الخليفة خلعوا الطاعة، وأن يثبتوا على هذا القول ثبات التظافر وقوة العزيمة، وإلا فإن حصل ابن الفرات عند السلطان وأدى ماله وتوثق لنفسه ضمن الجاعة منه، وحمله على القبض عليهم وتسليمهم إليه. فقال مؤنس: هذا أمر متى لم نفعله لم تسكن نفوسنا ولم يصف عيشنا. وتكفل هارون بن غريب ونازوك بجمع القواد ووجوه الغلمان الحجرية وموافقتهم على ذلك. وقام يلبق باستحلاف قواد مؤنس. فلما كان يوم الخميس السابع من شهر ربيع الآخر كاشفوا المقتدر بالله وقالوا: إن لم يقتل ابن الفرات وابنه خلع الأولياء كلهم الطاعة. فقال لهم: دعوني حتى أفكر. وجد هارون بن غريب خاصة. وأرادت الجماعة من الخاقاني التجريد في ذلك فقال: ما أدخل في دم. والذي أشرت به أن يمنع من حمله إلى دار السلطان. فأما قتله فإنه خطأ؛ لأنه متى سهل القتل على الملوك ضروا عليه، ولم يميزوا فيه. وقدم إلى ابن الفرات طعامه في يوم الأحد الثاني عشر من الشهر فامتنع عنه وقال: أنا صائم. وحضر وقت الإفطار فأعيد إليه فقال: لست أُفطر الليلة. واجتهد به فلم يفعل وقال: أنا مقتول في غد لا محالة. فقيل له: نعيذك بالله. فقال: بلى، رأيت البارحة في النوم أبا العباس أخي وقال لي: أنت تفطر عندنا يوم الاثنين الذي هو غد. وما قال لي في النوم شيئًا إلا صح، وغد يوم الاثنين، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسن صلوات الله عليه. أنفهم، فقال له مؤنس: هب لك عذرًا في كل شيء، أي عذر لك في إخراجي إلى الرقة حتى كأني من العمال المصادرين أو من أعداء دولة أمير المؤمنين؟ قال: فأنا أخرجتك؟! فقال: فمن؟ قال: مولاك. في السفط الخيزران المكتوب عليه بخطي: ما يحتفظ به من المهمات رقعة بخط الخليفة، أطال الله بقاءه، إلي يشكو فيها أفعالك وقتًا بعد وقت، وفتحك البلدان ثم إغلاقك إياها بالتدبيرات القبيحة، ويأمر بإخراجك إلى الرقة والتوكيل بك حتى تخرج. فأنفذ الخاقاني وأحضر السفط وعليه ختم ابن الفرات وفتحه فوجدت الرقعة من المقتدر على ما حكي من مضمونها. فأخذها مؤنس ومضى من وقته إلى المقتدر حتى أقرأه إياها، فاغتاظ المقتدر بالله علي ابن الفرات، وأمر هارون بن غريب بضربه بالسوط، فعاد وأقامه بين الهنبازين وضربه خمس درر وقال له: أذعن يا هذا بالمال، فكتب له خطه بعشرين ألف دينار. وأخرج المحسن وضربه حتى كاد يتلف فلم يعف بشيء وصار هارون إلى المقتدر بالله واستعفى من مطالبة ابن الفرات وابنه وقال: هؤلاء قوم قد استقتلوا وما ينقادون ولا يذعنون. فأمر بتسليمهما إلى نازوك وإيقاع المكروه بهما. فأوقع
1 / 68