البَدرُ مِنهُ غالِبُ في الشَمسِ ... وَيومُهُ الحاضِرُ عَينُ الأَمسِ
لما وصف الناظم قدس سره أن نهاره التي تطلع فيه شمسه ويظهر فيه إنارته هو الليل الذي جعله الله وقتا للمنام رشحه ووصفه بأن بدره الذي هو عبارة عن هيكله وشخصه غارب في الشمس، ومعنى غروبه بها، سكون حركاته وسقوط قواه بعارض النوم، فقد استعار البدر للشخص كما استعار الشمس للروح ورشحها بقوله غارب على طريقة الإستعارة أيضا، إذ فيه تشبيه جمود الجوارح وعدم إحساسها عند النوم مع كمال تجرد الروح باستهلاك ضوء البدر في نور الشمس وفي قوله: يومه الحاضر إشارة إلى أنه غير مختلف باختلاف الزمان كما في الأبدان المعتورة بالزيادة والنقصان وما يشاهد من تفاوت الأشخاص في مراتب الإدراك فلكمال الإستعناد ونقصانه والله سبحانه أعلم.
إِذا رَأى مُستَبِصرًا فَقَد عَشى ... أو حارَ في طَريقِهِ فَقَد مَشى
يريد أنه حين تعلقه بالبدن وافتقاره في إدراك الحقائق إلى الحواس إذا رأى في حال طلبه الإستبصار بأمر فقد عشي أي ضعف إدراكه لأنه لا يتوصل إلى مطلوبه إلا في استعانة الحاسة البصرية وقد تخونه في إدراكها، كما يقال: البصر كالظن يخطىء ويصيب ثم غنه لا يدرك إلا الأمور الظاهرية القريبة مع انتفاء الموانع وسلامة الآلات. وقوله: أو حار أي أو تحير في طريقه بأن تعلق بالبدن وفارق ما كان عليه من التجرد فقد ظهرت آثاره ومشى حينئذ.
إِن أَدرَكَ الأَشياءَ بِالنّهارِ ... ظاهِرَةً بيّنةَ الآَثارِ
شَكى إلى اللَهِ ذهابَ النورِ ... مِن عينهِ شِكايةَ الضَرير
قد تقدم في تفسير البيت السابق ما يرشد إلى معنى ما أراده الناظم ها هنا، فهو أن الروح إذا بالبدن وظهرت فيه أفعاله واحتجب بحجب الحواس، وأدرك بها الأشياء في النهار ظاهرة منارها بيِّنة آثارها على مقتضى ما تعطيه قواها ويبلغ إليه مداها فزع إلى الله سبحانه بالشكوى لذهاب نور بصره باستيلاء النوم عليه، وقوله شكاية الضرير قد تقدم في تفسير البيت السابق ما يرشد إلى معنى ما أراده الناظم ها هنا، فهو أن الروح إذا تعلق بالبدن وظهرت فيه أفعاله واحتجب بحجب الحواس، وأدرك بها الأشياء في النهار ظاهرة منارها بينة آثارها على مقتضى ما تعطيه قواها ويبلغ إليه مداها فزع إلى الله سبحانه بالشكوة لذهاب نور بصره باستيلاء النوم عليه، وقوله شكاية الضرير: أي شكاية الأعمى لفقدان نور بصره.
عَكسَ شُهورَ غَيرِهِ شُهورُهُ ... تَكمِلُ في أَولِها بِدورِه
قوله: عكس شهور غيره خبر مقدم عن مبتدأ مؤخر هو قوله شهوره، والمعنى أن شهوره معاكسة لشهور غيره في أن بدوره تكمل في أولها وكمال غيرها في أواسطها كما جرت به العادة المألوفة، وقد عرفت مما تقدم أن المراد بالبدور هياكل الأرواح، ونعني بالشهور هنا مدة العمر، والمعنى أن الجسم في حال استكمال قوته وريعان شبابه وهو ابتداء عمره المعتد به إذ نفوس الأطفال ومن لم يبلغ سن التمييز غير متأهلة لقبول الفيض الإلهي قد عاكس شهور غيره من حيث أن كمالها في أوساطها وهو في أولها، والأولية في هذا المقام إضافية بالنسبة إلى ما بعده من الانتقال إلى ضعف الكبر والشيخوخة ثم رشح هذا البيت بقوله:
وَنَقُصُها لِتَمهِ عَلامة ... حَتى يَرى أَحقَرَ مِن قُلامَة
يعني أن نقصان بدوره التي هي عبارة عن هياكله علامة بتمامه وبلوغه الغاية في الكمال والإستقامة، كما قيل ما استقامت قناة رأي البيت ولا تزال بدوره في نقصان حتى ترى أحقر من قلامه مبالغة في شدة الهرم والبلوغ إلى أرذل العمر وهو استعمال متداول في ألسنة البلغاء عند المبالغة بالتشبيه، وليس المراد بتمامه أنه كان ناقصا لما عرفت في المقدمة أن كماله بكمال الإستعداد لقبوله.
يَمشي إلى قُدامِهِ إِذا نَكَصَ ... وَيستَبينُ زائدًا إِذا نَقُص
يريد أن من شأنه إذا نكص راجعا إلى وطنه الأول أن يمشي إلى قدامه لتوجهه نحوه، وقوله: ويستبين إلى آخره، أي يظهر كمال قوته وزيادة استدراكه إذا نقص بعدم تعلقه بالبدن.
يَسبِقُ في مَسيرِه كُلُ الوَرى ... إِذا مَشى مُقهقرًا إِلى الورَى
1 / 20