وحين أتأمل شخصيتي وأهدافي أحس أني أؤدي في مصر في القرن العشرين ما كان يؤديه رجال النهضة في أوروبا فيما بين سنة 1400 وسنة 1800. ولذلك أجد قرابة روحية ونشاطا رساليا بيني وبين ليوناردو دافنشي، وفولتير، وديدرو ومن إليهم. ومن هنا دعوتي إلى العقل بدلا من العقيدة، وإلى استقلال الشخصية بدلا من التقاليد.
وربما كان أقرب هؤلاء الناهضين إلى نفسي هو ليوناردو دافنشي؛ فإني مثله في الاعتقاد بأن الذهن الناضج لا يرضيه أن يحد نفسه بحدود الأدب وحده، أو الفلسفة وحدها، أو العلم وحده؛ إذ هو يجمعها كلها ليستقطر منها فلسفة للحياة.
وإذا شئت أيها القارئ، زيادة في التفاصيل فاعرف: (1)
أني أومن بالحقائق؛ ومن هنا تعلقي بالعلم لأنه حقائق. (2)
وإذا كان لا بد من عقيدة فإني أومن بها عندما تكون ثمرة الحقائق العلمية؛ فإني أعتقد مثلا بالمستقبل الاشتراكي للعالم كما لمصر وأعمل له؛ لأن الاقتصاديات العصرية تومئ بذلك. (3)
وأومن بأنه ليس في الدنيا أو الكون أو المجتمع استقرار؛ لأن التطور هو أساس المادة والأحياء والمجتمعات، أي أساس الوجود. وأن الجمود الاجتماعي هو معارضة آثمة من الأشرار لسنن الكون والحياة.
وقد وصلت في تثقيف ذهني إلى أقصى ما يطمح إليه رجل في سني. ومع أنه لا تزال في نفسي اختمارات سوف تنفجر في المستقبل فإن أهدافي الآن عديدة. وهي إحالة مصر من قطر شرقي ضعيف يحيا على التقاليد في أساليب الزراعة والعيش إلى قطر أوروبي يحيا على العلم والصناعة واستقلال الشخصية مع الاتجاه الاشتراكي في تنظيم اقتصادياتنا.
وعندي أن الاشتراكية هي التطبيق العملي لمذهب الإنسانية.
وقد حققنا من الاشتراكية أساسها الأول وهو الجمهورية بدلا من الملوكية. وقمنا بمكافحة الإقطاع وإيجاد المصانع. وأحس لذلك كأن أشياء كثيرة قد أنجزت من وعد حياتي.
والاشتراكية تعني في النهاية أن الشعب فوق كل شيء. بل هو كل شيء. ومن هنا كفاحي الصحفي لإيجاد أسلوب شعبي في الكتابة العربية. وأيضا في جعل الأدب والعلم والثقافة جميعها في متناول الشعب لا تقصر على طبقة خاصة منه.
Halaman tidak diketahui