فابتسمت له وقلت: إنها تحت أمرك يا سيد يوسف.
كان السيد يوسف كتبيا هجوميا، وكان يصرف نهارات طويلة، وأحيانا ليالي كاملة في البحث بين كتبه ومخطوطاته وتقاويمه ومجلداته، حتى استحالت رغبته في الكتب إلى هوس، هو هوس الشيخ المسن بمعتنياته العزيزة لديه.
كان السيد يوسف قد ناهز الستين من عمره، فاحدودب ظهره، وابيضت شعور رأسه، وأحاطت عينيه الثاقبتين دائرة صادئة، وكان لا يخرج من منزله، كمن أقام بقلعة محصنة، فيجلس إلى أوراقه وكتبه وكتبي أيضا؛ لأنها كانت مشتركة بيني وبينه، فيستعير منها ما يود ، وهي إرث وصل إلي من عم شيخ غزير المعارف، واسع الاطلاعات، عارف بمخابئ الكتب وقيمها.
أكرر عليك يا سيدي العزيز، أن مكتبتي كلها تحت أمرك.
فأطلق الكتبي زفرة استحسان وقال لي: كنت أخشى ... كنت أخشى رفضا منك. - معاذ الله يا سيد يوسف أرفض طلبك، لا أكتمك أنني شديد التمسك بمكتبتي وكتبي، إلا أنني أشد تمسكا بأصدقائي.
فبسط لي يده فهززتها بعاطفة قوية، وقلت له: ما عليك إلا أن تصدر إشارة فنتعاون في العمل. - كنت أخاف أن أطلب منك ذلك بعجلة. - ولكن في أي كتاب ترغب؟
فأمر يده على لحيته البيضاء، وهي علامة السرور عند الكتبيين، وقال: أبحث عن كتاب نادر جدا وجدا جدا، أذكر أنني رأيته مرة في مكتبة السيد ... أو في مكتبة ... نادر جدا وجدا جدا ...
فقاطعته قائلا: ألا يمكنني أن أعرف اسم هذا الكتاب النادر جدا وجدا جدا؟ - آه! لقد نسيت اسمه، ولكن ... ولكنه كتاب طبع في باريس عام 76 ... 17 أو عام 79 ... 17 أو عام 81 ... 17 أجل عام 1781، اسم الكتاب: منتخبات في قصص القرن الثاني عشر والثالث عشر لمؤلفه ليفران دوسه. - لدي هذا الكتاب ... هنا ... في هذه الخزانة القديمة، حيث أضع كتبي النادرة التي قليلا ما أبحث عنها وأستشيرها.
فشرع السيد يوسف يلاطف لحيته من شدة الفرح، وقال: نادر جدا وجدا جدا!
ثم نهض من جلسته، وعانقني بفرح لا فرح بعده، فقلت في نفسي: قد لا يبعد أن يتحول هوسه إلى جنون! مسكين يوسف!
Halaman tidak diketahui