وما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها
ذكر الجثجاث لأنه اسم غير مختار. ولو أمكنه ذكر غيره كان عندي أليق وأوفق.
ولا أحب أيضًا تسمية أبي تمام صاحبه علاثة ونداءه بالترخيم في قوله:
قف بالطلول الدارسات علاثًا ... أضحت حبال قطينهن رثاثا
وإن كان الروى قاده إلى ذلك فليت شعري من حظر عليه القوافي واقتصر به على الثآر دون غيرها من الحروف! وليس يؤثر منه إلا الشعر الحسن على أقرب الوجوه وأسهل السبل دون ما يتكلف المشقة في نظمه والعناء في تأليفه وليس يغفر للشاعر لأجل ما يلزم به نفسه ذنب ولا يغفل له عن خطأ إذ كان حظر المباح وحرم الحلال وأعتمد تكلف النصب طوعًا واختيارًا وهوى وقصدًا. لكنه لعمري إذا أتانا بالسليم من الزلل البعيد من التكلف والخطل. وكان كذلك في مأخذ صعب ومسلك وعر حمدناه الحمد الكامل ووصفناه الوصف التام.
ومن الألفاظ التي ذكرناها قول أبي عبادة البحتري:
فلا وصل إلا أن يطيف خيالها ... بنا تحت جؤشوش من الليل مظلم١
فليس بقبح جؤشوش خفاء. هذا على إنني لم أعرف شاعرًا قديمًا ولا حديثًا أحسن سبكًا من أبي عبادة ولا أحذق في اختيار الألفاظ وتهذيب المعاني.
_________
١ الجؤشوش: القطعة من الليل.
1 / 72