وقالوا لما دخل ضمرة بن ضمرة١ على النعمان بن المنذر احتقره لما رأى من دمامته وقال: تسمع بالمعيدي٢ خير من أن تراه. فقال: أبيت اللعن أن الرجال لا تكال بالقفزان وليست تستقي فيها وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه إن صال صال بحنان وأن نطق نطق بلسان.
وأنشدوا لأبي الأعور السلمى:
كائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم٣
وهذان البيتان قد ذكرتهما فيما تقدم حكاية عن أبي طالب العبدي لكن هذا موضعهما.
وقيل لزيد بن علي ﵉: الصمت أفضل أم الكلام فقال أخزى الله المساكتة فما أفسدها للسان وأجلبها للحصر والله إن المماراة على ما فيها لأقل ضررًا من السكتة التي تورث أدواء أيسرها العي.
وأنت إذا سمعتهم يمدحون الصمت وينظمون القريض في مدحه ويذكرون جنايات اللسان وكلومه ويروون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم" ويقولون لو كان الكلام من فضة كان الصمت من ذهب. وأشباه هذا ونظائره.
_________
١ هو ضمرة بن ضمرة بن جابر النهشلي من بني دارم شاعر جاهلي من الشجعان الرؤساء وهو صاحب يوم ذات الشقوق من أيام العرب في الجاهلية. أغار فيه على بني أسد وظفر بهم في مكان يسمى ذات الشقوق.
٢ المعيدي تصغير المعدي خففت الدال استثقالا للتشديدين مع ياء التصغير.
٣ البيتان ينسبان أيضا لزهير ابن أبي سلمى في معلقته.
1 / 62