فإنما يريدون الكلام الذي ليس بجميل واللفظ الذي لا يستحسن.
فأما أن يكون الحسن يتواتر حتى يصير قبيحًا والقبيح يتضاعف حتى يكون حسنًا فهذا شيء خارج عن حد العقل ونظامه وليس هذا المذهب مما يمكن وقوع الخلاف فيه فيحتاج إلى إطالة في بيانه وقد أوردنا لمحة يستدل بها على غيرها وأن المذكور في هذا النحو لا ينحصر ولا تستوفي غايته.
وأقول قبل كلامي في الفصاحة وبيانها إنني لم أر أقل من العارفين بهذه الصناعة والمطبوعين على فهمها ونقدها مع كثرة من يدعي ذلك ويتحلى به وينتسب إلى أهله ويماري أصحابه في المجالس ويجاري أربابه في المحافل وقد كنت أظن أن هذا شيء مقصور على زماننا اليوم ومعروف في بلادنا هذه حتى وجدت هذا الداء قد أعيا أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدي وأبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ قبله وأشكاهما حتى ذكراه في كتبهما. فعلمت أن العادة به جارية والرزية فيه قديمة. ولما ذكرته رجوت الانتفاع به من هذا الكتاب وأملت وقوع الفائدة به إذ كان النقص فيما أبنته شاملا والجهل به عاما والعارفون حقيقته قرحة الأدهم١بالإضافة إلى غيرهم والنسبة إلى سواهم.
ونبتدئ الآن بالكلام فيما أجرينا القول إليه ونقول إن الفصاحة على ما قدمنا نعت للألفاظ إذا وجدت على شروط عدة ومتى تكاملت تلك الشروط فلا مزيد على فصاحة تلك الألفاظ.
وبحسب الموجود منها تأخذ القسط من الوصف وبوجود أضدادها تستحق الأطراح والذم.
وتلك الشروط تنقسم قسمين فالأول منها يوجد في اللفظة الواحدة على انفرادها من غير أن ينضم إليها شيء من الألفاظ وتؤلف معه والقسم الثاني يوجد في الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض.
_________
١ الأدهم الأسود من الخيل والقرحة بياض في وجهه دون الغرة.
1 / 63