وأما رياضته في الملبس فإنه لما ترك الدنيا مع الغنى الحلال لبس مدرعة من خشن الصوف مدة، ثم تركها، ولبس شملة غبراء من خشن الصوف: وإزارا من مرقعات صوف وقطن، وكوفية من صوف مدة من الزمان، وإهاب كبش يسجد عليه، ونازعته نفسه يوما بأن يقبل من بعض إخوانه شملة أخرى ربما هي أرطب، فأقسم بالله لا استبدل بها خمس عشرة سنة، وقد كانت خلقة، فكان كلما وجد خيطا ملقى في الطريق أو في بيوت إخوانه من أخلاق فرشهم الصوف أخذه واتخذ إبرة، وكلما فترت نفسه من الصلاة استفتح (الصلاة)(1) والذكر وحرك تلك الشملة بالخيوط، ووجد في ذلك لذة [بالاستراحة وإبرار قسمه فشاهدت ذلك وزاد عليه سنة كاملة(2)، وإلى الآن في بيت أخيه سعيد بن منصور منها قطعة [للتبرك](3) بها، وفي بيته من شعر رأسه وقلامة أظافره، وأوصى سعيد بن منصور: [بأن](4) يدفن معه، وكان بعض إخوانه يأتي له(5) بالشملة أو الإزار يلبسها(6) فيكره رده بها، فتقف عنده مدة من الزمان، حتى يكون الغبار عليها والتراب، ثم يقول لصاحبها: إني غير محتاج إليها فتفضل بنقلها لا تشغل علي مكاني، فيرفعها. وعظم الشتاء في سنة فعول عليه أخ له في عباءة غبراء يلبسها، فساعده وأبقاها على ملكه، وأباح له لبسها، وكذى في كل(7) ما ملك من مقراض، وإبرة، ونعل، ومشعل، وعصا، كان [كل شيء](8) يخرجه عن ملكه إلى ملك من يحب من إخوانه ليلقى الله خفيفا كما خرج من بطن أمه، وتارة يكسو بها بعض إخوانه من أحب شملة(9) إيثارا إن لم يجد له من يحقه به.
Halaman 90