والعُربْ: لغة في العرب. ونظيرة، العًجم والعَجَم. والقطا: نوعان كُدري وجوني، فالكُدري اسم عمهما، وحَجَلُ: القبيح، واحدتها حَجَلة، وقد يكون واحدتُها) حجلي (فيكون الحَجل، اسم الجمع كما ذهب إليه سيبويه في قولهم: خادم وخدم، وعازب وَعَزب. فالقطا من طيور ديار العرب الوَحشية. والحَجَلُ من طير الجبال، وهي من مساكن الروم. فيقول: اضطر أعداءه من الفريقين إلى العرب منه والنوحُّش. فلحق كل واحد منهما بالوحشي من طير أرضه، وصار في جملته، حتى كأن لم يكن إنسانًا، بكونه مخالفًا للطير. ولذلك قال:) طائره (.
وقد يجوز أن يكنى بالطيران عن شدة العَرَب، وإلا فالعرب والروم وسائر الأجيال لا يتحولون طيرًا.
وخَصَّ حُوشية الطير دون سائر الوحش، لانها أسرع في الهَرَب. وقوله:) منه (: اي من أجله.
) وما الفرارُ إلى الأجبال من أسدٍ ... تمشي النعامُ به في معقل الوعلِ (
اي النعام سُهلية لا قوة لخفافها على خشونة الجبل، ولو ركب سيف الدولة النعام، سهل عليها من ذلك ما صعُب من سعده، ويمُن نقيبتهمشت به في معاقل الأوعال، وهي ذُرا الجبال لأن كل صعب سهلٌ عليه.
وإن شئت قلت: إنه عنى بالنعام خيله، يقول: يركب أوعر الأوعار؛ فكيف يطمع العدو المعتصم بالجبل أن يُعيذه منه. ومما يُحسن أنه يعنى بالنعام هنا الخيل؛ وأنه ليس بحقيقة النعام، وقولُه:) وما الفرارُ إلى الأجيال من أسدٍ (، يعني بالأسد سيف الدولة، ولا نوع الأسد الذي هو السبُع.
فمن ظريف الصنعة أن يوفق بين آخر البيت وأوله، فلا يعني بالنعام، النوع الذي يُقال له النعام، كما لم يعنِ بالأسد الشخص الذي يسمى أسدًا على الحقيقة.
) وردَّ بعضُ القنَابعضا مُقارعةً ... كأنه من نُفوس القموِ في جَدَلِ (
اي ضاق المعترك، وتحير الملتقى، حتى ردً بعض القنا بعضًا وتقارعت، فكان رد بعضها لبعض تقارعًا، وإذا كان قراعٌ، كان صوت، فكأن ذلك الصوت الذي حدث عن التقارع تخاذلُ. وذلك القراع والجدال كأنهما منافسة في النفوس، كما يتنافس المتجادلون في الظفر، فيرد بعضهم قول بعض. وأراد كأنهما ممن يحاول الظفر بالإنفس، فحذف، لانه قد علم ما يغني.
وله ايضا:
) وأشنبَ مَعْسُولِ الثنياتِ وَاضحٍ ... سَتَرْتُ فمي عنهُ فقبل مفر قى (
يذهب إلى إثيار الجلالة على اللذاذة، ويدعى ذلك لتسميته، حتى إنه يصحبه خلوته، وحين الظفر بمحبوبته. والصبر عند ذلك أدل على مِلْكِهِ لإْبه.
قال: فرب حبيب حُسنًا ودلاَّ زارني، فحاول تقبيل فمي، فسترت فمي عنه، لانه موضع اللذاذة، واللَّذاذة لا أوثرها، وبذلت له تقبيل مفْرِقي، لانه موضع الجلالة التي أوثرها.
وهذا كقول الآخر؛ إلا انه بعكس، ومنعه محبوبه من نفسه، ما منع المتنبي من نفسه حبيبه:
حاولت منها قُبلةً فتعمدتْ ... بعقارب الأصداغ قطع طريقها
) وَمَا كُل من يهوى يعفُّ إذا خَلاَ ... عفافي ويُرضى الحب والخيل تُلتقي (
ويروى) ويرعى الحب (. فمن رواه) يُرضي (فإن من شأن نساء العرب أن يُحببن من مُحبيهن الشجاعة والإقدام، كقول عمرو بن كُلثوم:
يَقُتن جيادنا ويقُلنْ لستمُ ... بعُوُلتنا إذا لم تمنعُونا
فيقول: أنا أعف كرمًا، وأرضى محبوبى في الحرب، بمشاهدته مني، ما يهواه مني، أو بإخباره ذلك عنى. وليس كل أحد من العشاق يجمع عقة وشجاعة، إذ العشق والعفة والفتك غريزة الاجتماع.
ومن رواه) ويرعى الحب (فهو يقول: أنا أعف كرمًا لا تورًا في هواى، بل أنا مُراعٍ المحبوب، حتى إني اذكُره في الحرب، وأراعيه أوان الشدة فكيف في حال السكون والهدوء.
وفي» عى الهوى (هنالك مَزيتاَن: إحدهما رباطة الجأش، حتى لا يُشغل الخاطر عن ذكر الهوى. والآخر لشدة محافظته على الوقاء، حتى لا يشَغْله عتد شدةُ الهيجاء كقول زياد الأعجم:
ذكرتك والخَطى يخطر بيننا ... وقد نَهَلَتْ منا المثقفة السَُمْرُ
قوله:) والخيل تلتقي (؛ جملة في موضع الحال. اي ويرعى الحب محاربًا.
) إذا ما لبِستَ الدهرَ مُستِمتْعًِا بهِ ... تخَرَّقْت والملْبُوسُ لم يتخرقِ (
1 / 64