وله ايضا:
) أعيذُها نظراتٍ منكَ صادِقةً ... أن تحسب الشَّحْمَ فيمَن شحمُه وَرَمُ (
اي: أجلُ نظرك الصادق المصيب، أن تظن بي حُسن حالٍ، لما يظهر لك من شارتي، وانما ذلك تجمُّل لا غنى، فنظرُك هذا لايُشبه لك الأمر بخلاف ما هو به. ويكون النظرُ ها هنا ظنُّه الخير فيمن لا خير فيه؛ والاول أشبه.
إذا تَرَحَّلْتَ عن قومٍ قدرُوا ... ألا تُفارقهُم فالراحِلُون هُم (
اي إذا قدرُوا على إغنائي عن مُفارقتهم، ثم اضطلاوني إلى فراقهم) فُهمُ (المخلُّون بي حقيقة. وإن كنت أنا المخل بهم، لأن سبب إخلإلى بهم إنما هو سبب إخلالهم بي. وإذ لو شاءوا ألا أرحل عنهم لم أرحل.
) وقد قدرُوا (: جملة في موضع الحال. وجاز أن يكون حالًا من قوم، وإن كانوا نكرة، لأن فيه معنى العموم، ولولا هذه الواو، لكان أولى من ذلك أن تكون الجملة في موضع الصفة للنكره. فأما مع الواو فلا يكون، لأن الصفة والموصوف كالشيء الواحد. فإذا عطفت الصفة على الموصوف، فكأنك عطفت بعض الاسم على بعض، وذها مالا يسوغ. وأما الحال فمفصوله من ذي الحال، فجاز الفصل بينهما لذلك.
) وَشرُّ ما قيصتهُ راحتي قنصٌ ... شُهبُ البُزاة سواء فيه والرخمُ (
اي: أنا في الشعراء كالبازي في أنواع الطير، والشعراء غيري كالرخم، وبين البازي والرخمة من الفضل ما قد عُلم. فيقول: إذا تساويتُ أنا ومن لا تُدركه في أقدار عطاياك، فكان له منها مإلى، فأي فضل لي عليه، وإن كنت فاضلًا له؟ يقول: إما أن تُميزني على غيري من الشعراء، وتُبقي عطاياك لهم كما هي، وإما أن تُبقي عطاءك لي كماهو، وتُنزلهم عنه، ليكونوا دُوني في النوال، كما هُم دُني في المقال.
وخص شُهب البزاة لأنها أفرهُهُن وأقنصُهُن. وقد قيل إن البُزاة كُلها شُهب. فليس إذن على طريق التخصيص، وإنما على حسب الصفة التي البزاة بها.
) وَمُهجةٍ مُهجتي من هم صاحبها ... أدركتُها بجوادٍ ظهرُهُ حَرَمُ (
اي: وُرب ذي مهجةٍ طلب مني ما طلبت منه فلم ينلى ونلُته أنا بجواد ظهره حرمَ: اي من ركبه ولاذ به لم يُنل، ولا قتِل، كما لا يُقتل اللائذُ بالحرم.
) رجلاَهُ في الركضِ رجلٌ واليدان يَدٌ ... وفِعلُه ما تُريدث الكفُّ والقدَمُ (
اي: أنه يطفرِ، فَتَقَعُ رجلاه معًا كأنمكا هما رجل واحدة. وكذلك تقع يداه، فكأنهما يد واحدة. و) فعله ما تريد الكفُّ (إذا ضربتْه، والقدم إذا ركضته.
يقول: فهو يُغنى فارسه أن يضربه بسوط، أو يركضه بعقبيه؛ ليستدر بذلك جرْيته، ويستمري مشيته.
وله ايضا:
) أشكُو النوى ولهُمْ من عبرتي عجبٌ ... كذاك كُنتُ وما أشكُو سوى الكلل (
اي: عجُبوا من بكائي وقد غيبها البُعد، وكذا كان دمعي وهي حينئذ قريبة لا تغيبها عني إلا الكلل. فكيف يعجبون من بكائي الآن. ... فقوله:) وما أشكو سوى الكلل (: جملة في موضع الحال. كأنه قال: كذلك كانت عبرتي وهذه المحبوبة قريبة. وجعل) سوى (ها هنا، اسما، فموضعها نُصب بأشكو. وهو في قوة قوله: وما أشكو شيئًا سوى الكلل. وحَسن ذلك أنه في معنى: وما أشكو إلا الكلل.
) مابالُ كُل فُؤاد في عشيرتها ... به الذي بي وما بي غيرُ مُنتقلِ (
اي به من الحب لها مثل ما بي. والذي بي مع ذلك منتقل وكان القياس، إذ كان بهم مثلُ ما بي، أن ينتقل عني حبُّها.
وقيل معناه: به مثلُ الذي بي. والذي ثابت. فالذي بهم أيضًا ثابتٌ لا ينتقل. والفؤاد هنا يجوز أن يعني به الطائفة التي هي موضع الحب، أعنى القلب. ويجوز أن يعني به كل سيد في عشرتها، لأن الفؤاد من أشرف طوائف الجسم. وهذا كما يسمى الشريف عينا لأن العين أشرف الحواس، وألطف جوهرًا، فيكون كقول أبى تمام: وسنى فما يصطادُ غير الصيدِ
) مُطاعةُ اللحظ في الألحاظِ مَالِكةٌ ... لمُقلتيها عظيمُ الملُك في المُقلِ (
اي إذا رأت العيون عينها، ملكت عينها العيون، فلم تقدر أن تتعداها إلى غيرها. فكأن عينها للعيون ما لكة، بمعنها إياها التصرف، والمالك مُطاعٌ. والألحاظ: جمع لحظ. على أنه سمي العين لحظًا، ثم جمعه وإلا لم يُسوغ جمعُ المصدر، إلا أن تكون العرب قد صرحت بجمعه.
1 / 62