القصد: كسر الرماح، واحدتها: قصدة. والمُران: وشيج الرماح إذا لأن وتخلق، من المرانة؛ وهي اللين، ألا تراهم قالوا في هذا المعنى: ... رمح لدن. واللُّدنة: اللين. ومن هنا زعم سيبويه أنه إذا سميت بُمرانٍ صرفنه؛ لتصوره معنى من اللين فيه. ومعنى البيت: أن خيله يطأن من أعدائه، منى لم يَحمِلنه. فومضع الماضي موضع المستقبل.
وإنما توضع الأفعال بعضها موضع بعض في غالب الأمر مع الحروف، نحو قولك: إن فعلتَ فعلتُ: اي إن تفعل أفعل، وقولك: والله لا فعلتُ، تريد: لا أفعلُ.
) ومِن قصَدِ المُران ما لا يقومُ (
اي قد بالغت في تحطيم الرماح وتعويجها حتى ليس في الإمكان أن يُجبر عن كسرها؛ ولا أن يٌقوم مُنادُها وقيل:) مَنْ لاَ حَمَلتهُ (: دعا للمدوح: اي لا غلب عداهُ حرابه، فيملكوا خيلهم. والأول عندي أولى، لقوله:) ومن قصد المُران مالا يقوم (فهذا خبر، إلا أن تضع) يُقوم (موضع) قُوم (فيتوجه معنى الدعاء، وقد يجيء لفظ الدعاء مساويًا للفظ الخبر، كما يكون ذلك في الأمر والنهي، كقول الشاعر، أنشده يعقوب:
كملقي عقالٍ أو كَمَهلكِ مالكٍ ... وليس لحي هالك بوصيلِ
وقال الهُذلي:
ليس لِميْتٍ بوصيل وقد ... عُلق فيه طرفُ المَوصِلِ
فمعنى هذا كله: ولا وُصل هذا الحي بهذا الهالك. وهذا دعاء قد خرج على لفظ الخبر، ومثله كثير.
) يُقرُّ له بالفضلِ من لا يودُّهُ ... ويقضي له بالسعِد من لا يُنجمُ (
اي إن فضله ذائع شائع، يضطر عداه إلى الإقرار به له، تنكبا لخرق الإجماع، وعلما منهم أنهم أنكر، ولم يقبل ذلك منهم، فكان دليلًا على تعسُّفهم كقول البحتري:
لا أدعى العلاءِ فضيلةً ... حتى يسلمها إليه عداهُ
) ويقضي له بالسعد من لا يُنجمُ (
أي قد عهد سعيدًا ميمونًا مدركًا لكل من طلب فيقاس بماضي أفعاله وحاضرها على مستقبلها.
) أجار على الايام حتى ظننْتُه ... تُطالُبه بالرد عادٌ وَجُرْهُمُ (
) أجار على الايام (: حمى منها ومنع، وجعل نفسه ملاذًا للناس منها، حتى ظننت أن الغابرين من الأمم ستطالبه بأن يردها إلى الحياة، وأن يُعديها على الأيام التي تحيلإتها وأهلكتها. وخص عادًا وجُرهمًا لقدمهما. وإن شئت قلت: لعظمها.
) كأجناسها راياتُها وشعارُها ... وما لبسته والسلاحُ المصمُ (
عسكر العرب قبيلةٌ واحدة. فحيلة وسلاحه ملبوسه كُله عربي، وإنما مدح عسكره بذلك، لأن الجيش إذا كان من قبيلة واحدة كان أشد لبأسها. هذا قول ابي الفتح.
والذي نؤثر نحن، أن عسكر العرب إنما هو كما قال، ألا ترى أن النابغة قد قال:
وثقت لهم بالنصر إذ قيل قد غزت ... كتائبُ من غسان غيرُ أشائب
وهي التي تسمى الحمرة. ومنه قول الحطيئة لعمر بن الخطاب:) يا أمير المؤمنين، كُنا ألف فارس، ذهية حمراء: اي لم يختلط بنا أحد، فهكذا عسكر العرب. فأما عساكر الملوك فكلما تنوعت أجنادها، كان أعظم لمُلكها، وأقدر لملكها، لانه متى تغيرت حربٌ ما، قوم بحرب آخر (فيقول إن أجناس عسكرها هذا الملك كثيرة مختلفة بالنوعية، فينبغي أن تختلف أيضًا أعلامها وبزتها وسلاحها، لكل نوع من أنواع الخميس زي يخالف زي صاحبه كقوله هو يصف عسكرًا:
تَجَمه فيه كل لسنٍ وأمة ... فما تُهمُ الحُداث إلا التراجمُ
وتقدير البيت راياتهُا وشعارها وسلاحها كأجناسها. اي أن هذه المحمولات كلها متنوعة في ذاتها، كما أن الحاملين لها متنوعون. والتنوع الذي ذكرناه في هذا البيت؛ إنما هو تنوع بالنسب، وتنوع بالصورة، لا تنوع بالفصول الذاتية، ولو قال هو كأنواعها، لكان أشبه، ولكنه آثر كلام الجمهور.
) بغُرته في الحرب والسلم والحجا ... وبذل الُّها والحمدِ والمجد مُعلمُ (
اب أنه مُعلم بغرته في هذه الفضائل كلها مطرور لها. ذهب إلى شهرته وجَهرَته.
) ضلالًا لهذي الريح ماذا تُريدُه ... وهديًا لهذا السيلِ ماذا يُؤممُ (
دعا على الريح، لأنها عارضت سيف الدولة فآذت، ودعا للغيث لمشاكلته إياه في طبيعة الجود.
) تَلاَكَ وَبعضُ الغيثِ يَتبَع بعضَه ... من الشام يتلُو الحاذق المُتعلمُ (
1 / 60