راد دهماء هاتين الفرسين، فاكتقى الإشارة من التنبيه تقول العرب: تا، وهاتا، وتى، وهاتى. وقوله: يامطر: يخاطب سيف الدولة جعله مطرًا بجوده.) ومن له في الفضائل الخيرُ (: عطفٌ على قوله:) يامطرُ (والخيرُ: جمع خيرة وهو الشيء المختار. اي له من الفضائل أشرفها، أو من نوع كل فضيلة أشرفه. اراد ومن له من الفضائل الخير فوضع) في (موضع) من (.
والفضيلة: الخصلة التي يُستحق بها الفضل، وضدها الرذيلة.
وله ايضا:
) حصانٌ مثل ماء المُزن فيه ... كثوم السر صادقةٌ المقالِ (
اي هذه المرأة حصان طاهرة نقية من الشوب كماء المُزن في المُزنْ قبل انحطاطه إلى الارض ومُمازجته طبيعة التراب. فالهاء في قوله) فيه (: راجعة إلى المُزن. كيُومُ السر: يعني محاسن خُلقها وخَلقها؛ وكتمها إياه: صوتها له حتى لا يُطلع عليه منها. ولما كنى بالسر عن المحاسن الخلقية والخُلُقية كنى عن صوتها بالكتمان. وكأنه إنما سمي ذلك سرًا لانه مما يجب ألا يُعرف من النساء.) صادقة المقال (اي لا تدخل في ريبة فتحتاج إلى افتعال التأويل والتحيل للاعتذار، ولكنها حسنة الخفايا سالمة الإرادة، فصدقُها يُغنيها عن التماس الكذب. وإن شئت قلت: وصفها بصدق المقال مُطلقًا لأن ذلك من أجل ما يُمدح به ولا حفاء بمزية الصدق.
) فلا غيضتْ بحارُكِ ياجمُومًا ... على علل الغرائب والدخالِ (
بحر جمُوم: كثير الماء، وكذلك البئر. والدخال: أن تُدخل بعيرا قد شرب بين بعيرين لم يشربا. والغرائب: الإبل الواردة حياض غير أهلها فهي مدفوعة عنها ممنوعة دُونها كقل الحجاج) ولأضربنكُم ضربَ غرائب الإبل (وغيضت، نقصت غامض الماء وغضته وفي التنزيل.) وغيضَ الماء (والعلَلَ: الشُّرب الثاني من النهل. فيقول: لا غيضت بحارُك: اي لا قصر جودُك عن كثرة من يردُه من الغرائب وذوات الدخال وكلاهما نوع غير مستحق للورود، فكنى بهم عمن لا يستحق جُود هذا الممدوح وإن شئت قلت: كنى عن المقيمين والطارئين عليه. اي عمَّ جودك الفريقين. يدعو له بذلك.
وله ايضا:
) بناَ منكَ فوق الرماِ ما بك في الرملِ ... وهذا الذي يضنى كذلك الذي يُبلى (
منك: اي من أجلك. تقديره: بنا فوق الرمل من لحزن بك والأسف عليك ما يُنْحفُنا ويُضنينا كما بك في لرمل. إلا أن هذا لنا مُضنٍ وذاك مُبلٍ وكلاهما مشتبهان في أن عملهما التَّنقص والفساد إلا أن حالك البلى وحالنا الضنى وقال:) وهذا الذي يُضنى (فأشار إلى الضنى إشارة القُرب لانه مُشاهد وقال:) كذاك الذي يُبلى (: فأشار إلى البلى إشارة البعد لانه مُغيبٌ عنه.
) تركتَ خُدود الغانيات وفوقها ... دُموع تُذيبُ الحُسن في الأعين النُّجلِ (
هؤلاء الغواني كُحل الأعين كحلا طبيعيًا. والكحلُ الطبيعي يزيده الحسن حسنًا لأن كل طبيعي يُقوية المكتسبُ المشاكلُ له، فيقول: إن دموع الغانيات الكُحل المكتحلات تفسل الكُحل الذي هو زيادة في حسن الكحل فيزول حُسن الكُحل ويبقى الكَحَل فقد زال الحُسن الاكتسابي الذي كان زياة في الطبيعي فنقص الحسن عما كان عليه إذ كان المكتسب موجودًا مع الذاتي، وكأن الدمع هو الذي أدابه ونقصه. ولا يُكنى تذوب الجواهر، لكن لما كانت زيادة بالكُحل وكان جوهرًا استجاز إيقاع الإذابة على العَرضَ الحادث عنه فتفهمه.
) تَبُل الثرى سُودًا من المسك وحدهُ ... وقد قطرت حُمرًا على الشعر الجثلِ (
اي بكين دمعًا مشوبًا بدم لإفراط الحزن عليك تقطرت حُمرًا ووقعت على لذوائب المنشورة على الخدود للحزن وفيها أفواهُ المسك فسقطت إلى الارض سُودًا بالمسك وحدهُ دون الكُحل لأن الكُحل قد أذابهُ الدمع وأسالهُ. وقال) تبل الثرى (: فأشعر بأنها خرقت الارض لشدة وقوعها وغزارتها حتى سختْ في الثرى.
) الست من القوم الذين رماحُهُم ... نداهُم ومن قتلاهُمُ مُهجةُ البخلِ (
1 / 53