) تكْبوُ وَرَاءكَ يا ابْنَ أحمد قُرَّحٌ ... لَيْسَتْ قَوائِمهُنَّ من آلاتها (
القُرح هنا: كناية عن الرجال الكهول المُذكين. وأصله في الخيل، واحدها قارح، وهو الذي أتى عليه خمسُ سنين من نتاجه. فشبه الممدوح بفرسٍ جواد، وشبه مبارزيه بخيل قُرح، كقوله:
فدى لأبى المِسْكِ الكرامُ فإنها ... سوابقُ خيلٍ يَهتَدينَ بأدْهَمِ
أي بفرسٍ أدهم. وخصه بالدُّهمة، لأنه عنى به كافورًا وقوله:) ليست قوائمهن من آلاتها (: أي ليست قوائهما آلات لها لانها تعثر وتكبو وتضعف عن مجاراتها، فكأن هذه القوائم ليست من آلاتها اذ لو كانت آلا لها لنصرتها ولم تخنها ولا أظهرت فضلك أيها الممدوح على هذه القُرح. وإنما قوائمها من آلاتك أنت، لدلالتها على سبقك، إذا كبت هذه القرح وراءك، فهن آلاُتك المبينة لفضلك لا آلاتها، لأن من نصرك وخذل ماوئك، فإنما هو آلة لا لمناوئك، وإن كان أهلا له، وجزءًا منه، كقوله تعالى) ياَنُوُح إنهَّ لَيْسَ مِنْ أهْلِك (أي ليس من أنصارك ولا مُعاضديك، إنما هو من أعدائك. ولم ينف أنه اينه حقيقة، لأن نساء الأنبياء لم يَفْجُرْن.
وذكر القوائم هنا، لذكره الخيل، ذهابا إلى الصنعة. وإنما القوائم هنا كناية عن الحصال والفضائل النفسانية. وقيل: إن الضمير في آلاتها ل) وراءك (، أي لا يتبعك إلا خيلٌ قوائمها أثبت من قوائم هذه القُرح. وأما قوائم هذه فمقصرة عن متابعتك، والصبر على مجاراتك.
) سُقِيتْ مَنابِتُها التي سَقَتِ الورى ... بِنَدىَ أبى أيوب خَيِر نَبَاتِا (
الصنعة سارية في هذا البيت، وذلك أنه جعل للنفوس منابت، وليست النفوس نباتية فتنبت، واذا لم تنبت فلا منبت لها، ومعناه: سقى الله اهل هذا الممدوح بنداه لأنهم أجدواد، فإذا أفاض عليهم جوده، أفاضوه على من سواهم وقله:) وخير نباتها (الهاء للمنابت. ودعا للمنابت بُسقيا النبات لها، وتغذيتهل إياها، قلبا للعادة. لأن المنبت يغذِّي النبات، والنبات لا يُغذي المنبت، اذ المنبت غير نامٍ، ولكنه أغرب بذلك، وجعل الممدوح خير نبات المنابت التي هو منها، لانه أشرفها وأوسطها، فالباء التي في قوله:) بندى أبى أيوب (على هذا التفسير متعلقة بُسقيت. وقد يجوز أن يكون متعلقة بَسَقت. ويكون سقي المنابت غير مُبَينّ. فكأنه قال: سُقيت منابتها، وأمسك ولم يذكر ما تُسقى به.
) لَو مَرَّ يركُضُ في سُطور كِتاَبَةٍ ... أحْصى بحاِفرِ مُهرِهِ ميماتها (
يصفه بالحذق في الفروسية. وخص المُهر لتكون أغرب، إذا فعل ذلك بالمهر وهو غير ماهر ولا مُرتاض، كان أقدر أن يفعل ذلك بالقادح، لا رتياضه وانقياده.
) يَضَعُ السِّنَان بحيثُ شَاءَ مُجاولًا ... حَتَّى من الآذانِ في أخْرَاتِها (
يصفه أنه حاذق بالطعن، حتى إنه يضع السنان في خرت الأذن. وقوله مُجاولا: حال مُفيدة. والمُجاول: المجُاري في ميدان الطعن، وذلك أنه إذا فعل وهو جائل في الحرب، كان أقدر عليه وهو في الميدان وادع.
) لا خلق أسمع منك إلا عارفٌ ... بك راء نفسك لم يقل لك هاتها (
أي المعروف عنك الجود بكل ما سُئلته، فلا أحد أسمح منك إلا الانسان عرف هذه الشيمة منك، فلم يسألك نفسك. وجعله أسمح منه، لانه ترك له أنفس الأشياء، فكأنه قد جاد عليه بما لم يجد بمثله على أحد، لأن الجود بالنفس أقصى غاية الجود وهذا كقوله هو:
يأيُّها المُجدَي عَليه رُوحُهُ ... إذ ليس يَأتِيه لها استِجْدَاءُ
وقد أنعم شرحهُ فيما تقدم. وراء: مقلوبة عن رأى، قال الشاعر:
فَلَيْت سُويدًا راء مَنْ فر منهُمُ ... ومَنْ جَر إذ يَحْدونَهُمْ بالركائبِ
ويدلك على أن) راء (مقلوبة عن رأي، أنه لم يأت لها مصدر، إذ الافعال المقلوبة لا مصادر لها عند سيبويه، ولا أعرف أحدًا خالفه. ولو كانت) راء (لغة في رأيته، لكان لها مصدر. وهذا أصل من أصُول التريف، فتفهمه.
والخلق في هذا البيت: بمعنى المخلوق. ولذلك أبدل) عارف (منه. إذ لو كان الخلق مصدرًا لم يجُز إبدال عارف منه، لأن الجواهر لا تبدل من الأعراض. وإنما كان يَنصِبُه على الاستثناء المنقطع، مع أن المصدر لامعنى له في هذا البيت. ولذا حذرنا منه إغرابًا) بالإعراب (.
) غَلِت الذي حَسَبَ العُشور بآيةً ... ترْ تيلُك السُّورات من آياتِهاَ (
1 / 31