) أضْحَى فراقُك لي علَيهِ عُقوبة ... ليس الذي قاسيتُ شَيئًا هَيِّنًا (
أي عُوقبت على تقصيري عن واجبك، بفراقك الشديد على الكُره إلي، فليس الذي لا قيته من ذلك بهين، أي بيسير. ولا يريد الهين الذي هو ضد العزيز.
وله ايضا:
) يَتَداوى من كثرة المال بالإقْ ... لالِ جُودا كأن مالًا سَقَامُ (
أي يتشافى بالجود، حتى كأن المال مَرضُ يبغى إزالته، والإقلال بُرء يطلبه.
وقوله) كأن مالًا سَقَامُ (اراد كان وجود مال، لأن المال لا يقال له سقام إذ هو جوهر والسقام عَرَض.
) حَسَنٌ في عُيونِ أعدائه أقْ ... بَحُ من ضَيفهِ رَأتْهَ السوامُ (
أي هو حسن الصورة غاية إلا في عيون أعدائه، لعلهم بإهلاكه إياهم أقبح من ضيفه في عيون السوام، لعلمها إذا رأت الضيف أنها منحورةٌ، كقول الشاعر:
حبيبُ إلى كلب الكريم مناخُهُ ... بَغِيض إلى الكَوْمَاء والكلب أيصرُ
ومثله كثير. فقوله:) في عيون أعدائه (: ظَرف لأقبح، ولا يتعلق بحن، لنه في عيون أعدائه. وتقدير البيت: حسن في عيوننا معشر أحبابه ومن لا يَشْقى به، لكنه بخلاف ذلك في أعين عداه. وقد بالغ بالقُبح ولم يبالغ بالُحسن، لأن قبْحه في عيون أعدائه، وأمدح له من الحسن في عيون أحبابه.
) وَعَوارٍ لوامعٌ دَمُها الحِلُّ ... وَلكنَّ زِيها الإحْرَامُ (
اللوامع: السيوف لبريقها. ووصفها بالعرى: لاعتيادها مفارقة أغمادها.
وعوارٍ: جمع عار، لا جمع عُرْيان فُعلان لا يكسر على) فواعل () دمُها الحال (: أي أنها مستحلة للدماء، على أن زيها الإحرام: أي أنها مجردة أبدًا كالُحرم والمحرم لا يسفك الدماء. فقد اجتمع في هذه السيوف طبيعة الحل وزيُّ الإحرام.
) وَمنَ الرُّشد لَم أزُرك على القُر ... بِ عَلَى البُعْدِ يُعرفُ الإلمَامُ (
كأن قريبًا منه فلم يزُره، ثم بعد فزاره، ليكون ذلك أدل على إجلاله وإعظامه له، فأوجبه. وأراد: من الرُشد أنى لم أزُرك. وقوله) على البعد (: متعلق بيعرف. وعلى القرب متعلق بأزرك.
وله ايضا:
) تَخْلُو الدِّيارُ من الظباءِ وَعنْدَه ... مِن كل تَابِعةٍ خَيالٌ خاذلُ (
كنى بالظباء عن الحسن. أي تخلو الديار ممن كان بها. والخيالُ غير مفارق لي. وكنى بالتابعة عن صغارها، لأن الجداية وهي الصغيرة من الظباء تتبع إمها. ولما جعل المراة غزالة جعل الخيال خاذلًا، كما تخذُل الظبيةُ عن القطيع، أي تتأخر.
وإن شئت قلت: جعل الخيال بمنزلة ولد والغزال، وربة الخيال بمنزلة الغزال. فتابعة بمعنى متبوعة على هذا القول. وجعلها الخيال بمنزلة الولد لها تعسُّف لأن الخيال رُوحاني، فهو ألطُ من رؤية الخيال كما أن الصغير الجسم ألطفُ من الكبير. وخاذلُ: أي خذلها وزارني. فمن - على هذا - تكون للتبعيض وللجنس، فَتَفَهَّمْه.
) كَفأنَنَا عن شِبهِهِنَّ مِن المَهَا ... فَلَهُن في غَيرِ التُّراب حبائلُ (
كافأننا: من الكُفُؤ، وهو المثل، والمها: بقر الوحش: يشبه النساء بهن في سواد الحدق. والحبائل: الشرك، واحدتها: حبالة، لي صدنا المها وهن أشباه النساء، بحبائل منصوبة لُهن في التراب، فكافأننا عن فعلنا بأشباههن بأن صدننا كما صدناهن، طلبًا بثأرهن، إلا أن النساء صدننا بحبائل لم تُنصب لنا في التراب وهي الأعين والخدود وغيرها من المحاسن الظاهرة، كالمباسم والأعطاف والقدود، وكلهن حبائل إلا انها لا تثبت في التراب.
) مِنْ طَاعنى ثُغر الرجالِ جآذرٌ ... وَمِنَ الرِّماحِ دَمَالجٌ وَخَلاَخِلُ (
كنى بالجآذر هنا عن النساء، كما كنى عنهن في البيت الذي قبله بالظباء أي ينبغي أن تعدُ جآذر الإنس من طاعني ثُغر الرجال، لأنهن يفعلن من القًَتل مالا يفعل الطاعن. وينبغي أن يُعد الحلى من السلاح، لأنه سلاح النساء، كقول الأعشى:
إذا هُن نَازلن أقر انَهُن ... وكان المصاعُ بما في الجؤَن
يعنى بما تضمنت الجُؤَنُ من الطيب وسائر أنواع الزينة. ولو جعل السلاح محاسنهن لكان أليق بالشعر. ولكن لما كان السلاح في المعتاد ليس بجزء من المتسلح، جعل سلاحهن ماليس بجزء، منهن الدمالج والخلاخلُ وكان مصُوغُ الذهب والفضة، كمصوغ الحديد لرجال الحرب.
1 / 28