أي رضينا أن نسج له إذا رأيناه إكبارا له وإيثارًا، لا أنه لا يريد ذلك منا لن هذا إنما ينبغي لله غزل وجل، فطلبنا نحن حينئذ رضاه، بترك السجود الذي رضينا له. فقد مدح بدرًا هنا بشيئين: أحدهما: جلالة القدر، حتى رُئى أهلا للسجود له. والآخر: تورُّع بدر عن هذا الذي رضيه له، قبحًا لكلامه، ونهرًا في هذا الموضع وأشباهه لنظامه.
وقوله: فتركنا: معطوف على طلبنا، ولا يكون معطوفا على رضينا لفساد المعنى، وأن) الذي (لا يعود عليه من المعطوف على صلته شيء.
) فأنت وحيدُ بني آدم ... وَلست لفقد نظير وحيدا (
أي: واحدهم في الفضائل، وكرم الشمائل، ولم يحترم الزمان نُظراءك بل لك نظراء في حب المجد، والسعي إلى ابتناء الحمد، ولكنهم لم يُؤتوا من ذلك ما أوتيته ولا حُبوا بما حُبيته، وليس أوانك خلوًا من السادة، فتكون أنت إنما سُدت لُخلُو الوقت من ذوي السيادة، لأن تلك السيادة لا تتبين لها مزية. وإنما الفخر أنك ذو نظراء، وأنك مُوفٍ عليهم، بخلاف قول الشاعر:
خَلتِ الديارُ فَسُدت غير مُسَوَّدٍ ... ومِن الشَّقاء تَفَرُّدى بالسُّوْدَدِ
وله ايضا:
) حَدَقٌ يُذِمُّ من القواتل غيرها ... بدرُ بنُ عماَّر بْن إسماعيلا (
أي إنه يُذم كل مظلوم فيُقيده من واتره وينصفه. إلا من قتلته هذه الحَدَق، فإن هذا الأمر على جلالته، لا يقوى مظلومها ولا يُقيدُ قتيلها وهذا نحو قوله في سيف الدولة: وقوله:) بمخبرتي مجتزئٌ (: كقوله:
ذَرَاني والفَلاةَ بلا دليلٍ ... وَوَجْهي والهجير بلا لثامِ
ورفع ذلك كله بإضمار مبتدأ، أي أنا مرُتدٍ بمخبرتي مشتمل. . . الخ.
) أصْبَح مالًا كمالهِ لِذوي الحا ... جَةِ لايُبتَدى ولا يُسَلُ (
أي نصرفه على احتكامنا واقتراحنا، كما يصرف ماله، فلا هو يبتدئنا بالعطاء، ولا نستأذن بدرًا في أخذ ماله. فقد استوى هو ومالهُ في أنهما لايُستأذنان، ولذلك قالت العربُ: ما هو إلا هشيمةُ كرم؛ أي يأخذه الواردُ كيف شائ، لا يعسر عليه منه شيء، كما أن الهشيمة، وهي العود اليابس لا تتعذر على مُحتطبها ولا تحوجه إلى تعب في تناولها.
) إن أدْبرت قُلتُ: لا تليل لها ... أو أقبل قلت: مالها كَفَلُ (
التليلُ: العُنق وما يليها من الصدر، أي صدرهل المقبل يَحْجُزُ عن كفلها، وكلفها المُدبر يحجز عن صدرها، فلأنت من حيث تأملتها رأيتها مُشرفة، والمستحب من الفرس أن تهتز مقبلة وتنصب مدبرة، فباهتزازها مقبلة يخفى الكفلُ، لإشراف التليل، مابا نصبابها يخفى التليل لإشراف الكفل.
) أنت نَقِيضُ اسْمهِ إذا اختلفتْ ... قَواضبُ الهِندِ والقَنَا الذُّبُلُ (
جعل اسمه وهو بدر، دالًا على صورته وطبيعته. وذلك أن البدر إنما يسمى به القمر إذا قابل الشمس فانتلأ نورًا، وهو مع ذلك سعدٌ لا نحس.
يقول: فأنت خلافُ هذا الاسم، أي خلاف طبيعة المسمى بهذا الاسم في الحرب، لأنك في السلم طلق نير، وحظك السعادة، وتلك طبيعة البدر وفي الحرب عَبُوس مُهلك، وتلك طبيعة زُحل. فأنت في الحرب على غير ما انت به في السلم طبيعة. فقد وجب لاسمك في الحرب أن يكون غير اسمك في السلم. وقال:) أنت نقيض اسمه (لم يقل؛ ضد اسمه، لأن النقيض أشدُّ مباينة لنقيضه، من الضد لضده.
) أنت لَعْمري البدرُ المنيرُ ولكَّن ... كَ في حَوْمةِ الوغَى زُحَلُ (
أي أنك سعد في السلم، وشيمتك في الحرب ضد ذلك، وليس بالبدر ولا بُزحل في الحقيقة، وإنما عنى بالبدر إنه مُسعد، وبزُحل إنه مُنحس، والمنير هنا: مفيد لأن البدر قد يتلبسه الغيم فلا يُنير.
) مَدَدْتَ في راحة الطبيب يدًا ... وَما دَرَى كيف يُقْطعُ الأملُ (
أي كُّفك مجتمع الآمال قد اتصلت بها، كأن عُروقها قد صارت آمالا، والطبيب لا معرفة له ببعض الآمال، ولا بمعاناتها، إنما يعانى الأبدان، فلا تلحقنه ملاما، لأنك كلفته مالا يُحسن، والانسان إنما بلام على تقصيره فيما يُعزى إليه علمه، فإن قصر فيما ليس من علمه فغير مَلوم.
وقوله:) كيف يقطع الأمل (لم يُرد القطع المُفسد، وإنما اراد كيف يقطع الأمل للإصلاح.
وله ايضا:
) فَماَ حاولتُ في أرض مُقاَمًا ... ولا أزمعتُ عن ارضٍ زَوَاَلا (
1 / 25