جَارِي الجيادَ فَطارَ عن أوْهَامها ... سَبْقًا وكادَ بطيرُ عن أوهامه
وهذا أبلغ من قول أبى الطيب، لأن سبق الوهمِ أدلُ على السرعة من سبق الطرف مع لفظ الطيران، والطيران أبلغ في السرعة، ولذلك شبهت العرب خيلها بالطير كقول لبيد: وَكأني مُلْجَمُ سُوذَا نِقا وكقول الآخر:
كأنَّ غُلامي إذا علا حالَ مَتْنِه ... على ظهر بازٍ في السماء نُحلقِ
) لَهُ إذَا أدبَرَ لَحْظُ المُقْبِلِ (
أي أنه تَيقُّظِه يُراعى جهاتهِ، فكأنه يرى ما وراءه كرؤيته ما أمامه.
) شَبِيهُ وَسْمِىِّ الحِضَار بالوَلِىْ (
الوسمىُّ والوليُّ هنا: مستعار، وأصلهما في المطر، الوسمْىُّ الأول والولىُّ الثاني. يقول: ثاني جريه الأول، وذلك لشدته وصلابته، حثى إن إعياءه كجمامه.
وهذا كقوله في موضع آخر يصف فرسا:
وأقْتُلُ أي الوحشِ قَفّيُته به ... وأنزِلُ عنه مِثلَه حين أركبُ
أي أنه من المنعة ولالنشاط في آخر عدوه، مثله في أوله، وحسن استعاراته الوسمى والولى لأو لاجرى وآخره، لانهم يستعملون لفظ الغيث في هذ النحو كقولهم: فَرَسٌ سَكْب، وفَيْض وغَمْر، وبحْر. . . كل ذلك جواد، وهُن من صفات الغيث والماء. وقالوا: شآبيبُ الجرى، كقولهم شآبيبُ المطر، وهي الدُّفَع منه.
) وَعْقْلَةُ الظبي وَحَتَفُ التَّتفلِ (
أي إذا رأى الكلبُ الظبي والتَّتْفُل وهو ولد الثعلب، كان عُقلة للظبي يأخذه ويمنعه من الهرب، ويهلك التتفل. وهذا كقول امرئ القيس: بِمُنجردٍ قَيدِ الأوابدِ هَيكلِ أي إنه هذا الفرس قيد للوحش، فكذلك هذا الكلب، عٌقلة للظبي، وحتف للتتفل. وقد قال المتنبي أيضا مثله في هذا الموضع:
يَتَقَبَّلْون ظِلالَ كُل مُطَّهم ... أجل الظليمِ وَرِبْقَةِ السِّرحان
فقول: ربقة السرحان كقول امرئ القيس: قَيْد الأوابد، وزاد عليه اجل الظليم. فبيته هذا الأخير مكافئ لبيته الأول، لأن الحتف كالأجل والربقة كالعقلة. وصح له الشرف على امرئ القيس.
) لو كَان يُبلىِ السوط تحريكٌ بَلىِ (
أي أن هذا الكلب بجدول مضمر كالسوط، فكما أن السوط لا يُبليه التحريك، كذلك هذا الكلب لايبليه شدة عدوه ولا ينقصه، ولو كان السوط الذي شبيه له في الجدل الضُّمر والاستعمال له يُبلى لبلى الكلب.
) فَحَال ما للْقفزِ للتَجدُّلِ (
أي صُرع فصارت قوائمه التي كانت للقفز إلى التجدل. أي الُّزوق بالجدالة وهي الارض.
) وَصَار ما في مسكه في المِرْجَلِ (
المرجل: قدر النحاس حاصة، مذكر من بين أسماء القدر، يقول: سُلخ عنه جلده، وأدخل في القدر، فعاد ما كان من لحمه في الجلد رهين المرجل، واراد: ما كان في مسكه، ففي مسكه من صلة الذي ولا يكون خبرًا لكان هذه المرادة، لأن تلك لا تضمرُ، وتَعمل، لأنها فعل كوني غير مؤثر ولذلك منع سيبويه إضمارها وإعمالها، فقال:) واعلم أنه، لايجوز لك أن تقول: عبد الله المقتول، وأنت تريد: كُن عبد الله المقتول (. ولذلك حمل الفارسي قوله تعالى:) فوجد فيها رجلان يقتلان هذا من شيمته وهذا من عدوه (على الحكاية، لا على إضمار) كان (استدلالا بما قدمت من كلام سيبويه.
وله ايضا:
) رأينا ببدر وآبائه ... لِبَدرٍ وَلُودًا وبَدرًا وَليدَا (
معنى هذا البيت: التعجبُ من خرق العدة، وهو من ظريف المحاباة. فبدرٌ الاول: اسم الممدوح. والآخران: عنى بهما البدر المعروف.
يقول: ليس من طبيعة البدر الفلكي أن يَلِدَ ولا أن يولد. فلما رأينا بدرًا هذا الممدوح وأباه وجدنا بوجودنا إياه بدرًا مولودًا، ووجدنا بوجود آبائه وَلُودَ البدر. فقد خرق علينا المعتاد، فوجب التعجب.
وحاصل البيت: وجدنا ببدر هذا الممدوح بدرًا وليدا. ولا كبير فائدة في وجود الآباء، لأن المولود والوالد من باب المضاف والمضاف إليه. فاذا وجَد بدرًا مولودا، فلا محالة أن له والِدَين. فإذن ذكرُه الآباء هنا حشوٌ، إلا أن يُفيدنا بذلك أن أباءه بدور وليس بكبير فائدة أيضا، لأن النوع لا يلدُ غير نوعه، فتفهمْه.
) طَلَبْنا رِضَاهُ بتركِ الذي ... رَضينَا له فَتَركْنا السُّجودا (
1 / 24