Kisah Falsafah Moden
قصة الفلسفة الحديثة
Genre-genre
رمز الحياة الإغريقية: بنية ضخمة وشباب قوي تستهويه الطبيعة ويفتنه الجمال، ولكنه استمتاع بالجمال المحسوس، إذ لم تكن حرية الروح قد بلغت كمالها، ولم يتمتع بالحرية عند الإغريق إلا طائفة قليلة بينما كانت كثرتهم عبيدا أرقاء.
انتقلت ثقافة الإغريق إلى روما تغزو، إذ بينما كانت روما تغزو الأمصار والأقطار، كانت ثقافة الإغريق تغزوها، وقد اعترف في روما بالحرية الفردية، وبالمساواة السياسية. وقد كان العصر الروماني عصر النضوج والقوة النفعية، وانمحى ما عهدناه في أثينا من مظاهر الروح والسرور ، وجاء في مكانه عنف العمل وقسوة الواجب. فلما سقطت روما ظهرت الأمم الجرمانية على مسرح التاريخ، وهنا بلغت الفكرة ذروة الإدراك الكامل لأول مرة، وجاءت الوحدة الروحية بين الناس مكان الوحدة الدنيوية، وكانت المسيحية بشيرا للناس أجمعين بالحرية، ولكنها كانت حرية دينية في أول الأمر، ثم تحولت بالتدريج إلى حرية سياسية أيضا في الشعب الجرماني. ولما سادت العقيدة المسيحية بين الأمم اعترف للإنسان بإنسانيته كما أعلن الإخاء بين البشر. وتمثل الأمة الجرمانية عصورا ثلاثة: تبدأ العصر الأول من هجرة القبائل الشمالية وينتهي بحكم «شارلمان» وهو عصر تفكك ونزاع، ويكشف العصر الثاني عما بين الكنيسة والدولة من تباين، وأبرز ما في هذه الفترة الثانية من أحداث هي الحرب الصليبية ونظام الإقطاع ونشأة الدول الحرة، ولقد كان ذلك العصر الذي امتد حتى عهد الإصلاح مظلما، تتنازعه الخرافة والعقيدة الدينية، ولكنه كان مع ذلك عصر الحرية الروحية. وأما العهد الثالث فيمتد من عهد الإصلاح حتى يومنا هذا، وهو عهد الحرية المدنية والحياة التي يتزايد فيها عنصر العقل.
لقد كان مؤلف «هجل» هذا في فلسفة التاريخ من أجل ما جادت به قريحته، ولعل نبوغه وأصالته لم يظهرا في شيء من كتبه كما ظهرا في رأيه عن تطور التاريخ، إذ كان «هجل» أول كاتب حاول أن ينظر إلى سير العصور كلها كحركة واحدة شاملة تتجلى فيها الروح وتظهر، ولو أن هنالك من عدم دقته في بعض التفصيلات، ومن اختياره للحقائق اختيارا لا يقوم إلا على أساس هواه ما هو مجال لنقد الناقدين.
وأخيرا بعد أن سارت الروح هذا الشوط الطويل، واجتازت تلك المراحل المتتابعة، فإنها تصل - آخر ما تصل - إلى مرتبة الروح المطلق، حيث تنمحي كل الفوارق بين الذات والشيء، بين الفكر والوجود، بين اللانهائي والنهائي المحدود. نعم إن الروح بعد هذه الشقة الطويلة لتبلغ آخر الأمر مرتبة إدراك نفسها. وتقع تلك المرتبة الأخيرة في ثلاثة عناصر: (1) الإدراك الحسي الذي يعبر عنه الفن. (2) والشعور الذي يعبر عنه الدين. (3) والفكر الذي تعبر عنه الفلسفة. (1)
أما الفن فهو الإدراك الحسي الذي تدرك به الروح المطلقة المثل الأعلى للجمال كما يتمثل في صوره المحسة الملموسة، سواء كانت تلك الصورة صخرة أو لونا أو صوتا. ففي الفن تنتصر الفكرة على المادة؛ لأنها تستخدمها لأداء أغراضها، ولكن المادة المستخدمة ليست قابلة للتشكل قابلية تامة، وهي تختلف من حيث مقاومة التشكل عسرا ويسرا، فأدى هذا التفاوت بينها - في مقدار عدم القابلية - إلى اختلاف الفنون وتعددها، ولكن مهما اختلفت ألوان الفن فهنالك عاملان متصلان، هما اللذان يعملان على تكوين الجميل: المادة، والصورة أي الفكرة. فالمادة هي وسيلة التعبير عن الفكرة، وبالفكرة وحدها تكتسب المادة معنى وإشراقا. ولقد سار الفن من المرحلة الرمزية إلى المرحلة الكلاسيكية، ثم انتهى إلى الرومانتيكية، أو بعبارة ثانية سار الفن من مرتبة لا فنية إلى مرحلة فنية، ثم انتهى إلى وإنك لترى ألوان الفنون كلها لا تزالمرتبة فوق الفنية فبات عاجزا عن التعبير عن كل معناه.
أما الفن الرمزي فتسود فيه المادة، ولا تكون فيه الفكرة إلا شبحا ضئيلا، وأما الفن الاتباعي (الكلاسيكي) فهو فن تتوازن فيه الفكرة والمادة، وكل من الجانبين يكون وسيلة للجانب الآخر، أما الفن الابتداعي (الرومانتيكي) فتتحكم فيه الفكرة الروحية بحيث تشكل المادة وتخضعها لأغراضها الخاصة.
ولقد جاءت الفنون متعاقبة على هذا الترتيب الطبيعي: العمارة، فالنحت، فالتصوير، فالموسيقى، فالشعر.
ففن العمارة يتميز بأنه رمزي، ولا تندمج فيه المادة والصورة، فلقد تلحظ في فن العمارة الرزانة والعظمة، ولكنك لن تراه يعبر عن العواطف الدقيقة.
ويقل التباين بين الصورة والمادة في فن النحت، حيث تصاغ المادة لتعبر عن فكرة الفنان، ولكنه مع ذلك عاجز عن تمثيل الجوانب السامية من الروح الإنسانية، عن تمثيل الطبيعة الإلهية؛ إذ لا يمكن لهذه الأخيرة على الأخص أن تجسد في مادة صلبة محدودة كصخرة النحات.
وأما الفنون الابتداعية الثلاثة فهي التصوير والموسيقى والشعر، فالتصوير يتقدم عن النحت بخطوات فسيحة؛ لأن المادة فيه أقل صلابة، والفكر فيه ممثل على نحو قريب من المثل الأعلى. وفي الموسيقى تنمحي شقة الخلاف بين الجانبين: الفكرة والمادة، وهنا ينطلق الفن من حدود المكان ويجتاز قيود المادة، حيث لا يوجد إلا على صورة مثالية في الزمان. وأما الشعر فهو أعلى صور الفن جميعا؛ لأنه يمزج بين التصوير والموسيقى، فهو يضيف إلى ألحان الموسيقى المبهمة تعبيرا ومعنى واضحا محدودا، ثم هو ينطق بما لا يستطيع التصوير إلا أن يشير إليه فحسب.
Halaman tidak diketahui