Kisah Falsafah Moden
قصة الفلسفة الحديثة
Genre-genre
وإنك لترى ألوان الفنون كلها لا تزال باقية تعبر عن نواح مختلفة من الشعور، ولكنها رغم ذلك قد تدرجت ونمت واحدة بعد واحدة، على مدى العصور؛ فالفن الشرقي الذي ظهر في مصر والهند يتميز بأنه رمزي؛ لأن المادة ترجح فيه على الصورة، وهو في ضخامته وفخامته إنما يعبر عن شعور السمو والعظمة أكثر مما يعبر عن الشعور بالجمال، ثم تتحول هذه النزعة الرمزية إلى فن مفصح عن الجمال أكثر مما يعبر عن العظمة ألا وهو الفن الاتباعي (الكلاسيكي) الذي ظهر في اليونان، ثم يتحد الشعوران بالعظمة والشعور بالجمال فيكونان الفن الابتداعي (الرومانتيكي) الذي يظهر واضحا في الفن المسيحي؛ إذ إن تجسيد الأفكار الروحية قد أكسب التعبير الفني معنى جديدا، فاصطبغت فكرة الجمال بصبغة روحية، وأخلى الزخرف الطبيعي للجمال مكانه للصفاء والطهر والقداسة، وحلت العذراء في الفن محل «فينوس». ولكن إذا كانت المسيحية قد وسعت من دائرة الفن، وأضافت إليه روحا جديدة، فإنها إلى جانب ذلك قد سلبته شيئا من جماله؛ إذ لم تعد الصورة المادية تلائم المثل الأعلى الأخلاقي الجديد، وقد لا ترضي الآية الفنية البالغة حد الكمال الفنان المسيحي الذي بدأ يتطلع إلى عالم أبدي تدركه الأفئدة ولا تراه العيون، وأخذ ينشد التناسق السماوي والمثل الأعلى الإلهي، ولكن الفن عاجز بغير شك أن يعبر بالريشة أو القيثارة أو القلم عن ذلك المثل السامي، وهكذا أفلس الفن، وتدهور عندما اتخذ أداة للإفصاح عن الشعور الديني؛ لأنه كفيل أن يعبر عن تلك الحياة على نحو أكمل وأتم. (2)
الدين: لقد كشف لنا الفن عن فارق بين النهائي واللانهائي، أعني عن تباين وخلاف بين المادة والفكرة، ولسنا نستطيع أن نوفق بين هذين الشطرين المتباينين إلا بالدين الذي يمس فيه العابد معبوده مسا مباشرا دون أن يحتاج في ذلك إلى وسيط من الصور المادية أو الرمزية، فلقد شهدنا في الفن كيف تتخذ الفكرة الصور المحسة وسيلة لظهورها، أما في الدين فيكفي لتحقيقها مجرد الشعور الباطني؛ لأن كنه الدين وجوهره تمجيد الروح للمطلق تمجيدا باطنيا، هو بعبارة أخرى رغبة في الإنسان لاتحاد ذاته بالله. ويقول «هجل» إن وجود الله لا يمكن أن يقام عليه الدليل على نحو ما يحدث في البرهنة على نظرية رياضية؛ وذلك لأن الله هو فكرتنا عنه، فهو إذن موجود في داخل نفوسنا لا في خارجها، وكلما عمقت فكرة الإنسان عن الله واتسعت ظهر له الله أكثر وضوحا وجلاء.
ولقد مر الدين في سيره التاريخي خلال مراحل عدة، وأحطها مرحلة «عبادة الطبيعة» التي تصور الإنسان فيها أن الله مادة أو قوة طبيعية، ثم جاءت سلسلة من الديانات في الشرق هي «ديانة السحر» في الصين، والديانة البرهمية وغيرها في الهند، وعبادة النور في فارس، وديانة الألم في سوريا، وديانة السر والخفاء في مصر ... وقد مهدت كل هذه الديانات الطريق لديانة «الحرية» عند الإغريق، حيث أخذ الإنسان يدرك تفوقه على الطبيعة وسيادته عليها.
كذلك اجتازت ديانات الفردية الروحية مراحل ثلاثا: اليهودية، دين الجلال، والهلينية، دين الجمال، والرومانية، دين النفعية والغرض. فالأولى هي ديانة التوحيد، والثانية هي القدر والضرورة وتعدد الآلهة، والثالثة ديانة العقل العملي والقوة السياسية ... وأخيرا جاءت المسيحية، وهي تلك الديانة التي هبط بها الوحي، والتي تناقض عبادة الطبيعة وعبادة الإنسانية كليهما، هي اتحاد الواحد والكثير، هي تناسق الجلال والجمال والقوة، هي التوفيق بين الضرورة والحرية. لقد بلغت المسيحية أسمى فكرة عن الله؛ لأنها تتصور الله قد خرج من نفسه، ثم تجسد في الإنسان، ثم عاد إلى نفسه مرة أخرى. إن في المسيحية ذلك السر العجيب الذي يلائم بين النهائي واللانهائي، بين الإنسان وخالقه. ولقد تم ذلك التوفيق بين الضدين في شخص المسيح؛ لأنه إنسان إلهي. ويقول «هجل» إنه لكي يتحد الإلهي مع الطبيعة البشرية لا مندوحة عن أن تكون وسيلة ذلك الاتحاد هو الإنسان، فيكون إنسانا من ناحية، وفكرة إلهية من ناحية أخرى.
أراد الله أن يحقق وجوده ويقرر ذاته، فخرج من نفسه وتجسد في الإنسان، ثم عاد إلى نفسه مرة أخرى، وهكذا ينبغي أن يفعل الإنسان إذا أراد لنفسه حياة صحيحة، وإذا ابتغى لذاته تقريرا وتحقيقا، «يجب أن يموت الإنسان ليحيا.» هذه هي الحقيقة التي عبر عنها المسيح وضرب لها مثلا بنفسه، فمات لتحيا بموته الإنسانية، فواجب حتم على كل فرد أن يحذو ذلك الحذو الصالح القويم، إذ لا سبيل لتقرير الذات إلا بإنكارها، فحياتنا هي بدء المرحلة ونهايتها في آن واحد، هي الوسيلة وهي الغاية معا، فنحن لا ننشد إلا حياة كاملة، ولن نظفر بتلك الحياة إلا بتضحية الحياة! إن الإنسان ليحمل في نفسه بذور الوجود الروحي الكامل، فحتم عليه أن يضحي بنفسه لينبت ذلك الكمال الكامن ويتحقق، «إذا لم تقع حبة القمح في الحقل، ثم تموت فستظل وحدها.» ولن ينمو للقمح منها نبات. (3)
الفلسفة: ذلك هو الدين وما يدل عليه، ولكن ما يعبر عنه الدين بالشعور والبصيرة يبسطه الفكر في وضوح وجلاء. إن الفلسفة هي الحقيقة في تجريدها وإطلاقها، هي فكر «الفكرة» إذ تفكر في نفسها، أو هي فكر العقل للذي يفهم نفسه ويدركها.
إن موضوع الفلسفة هو هو موضوع الدين، فغاية الاثنين تحديد طبيعة الله وبيان غرضه من العالم، ولكن الأول يسلك إلى الغاية طريق القلب، بينما تستعين الفلسفة لأداء مهمتها بالعقل، ولكن لما كانت الحقيقة لا تتضح إلا إذا أخرجت من دائرة المشاعر إلى ضوء الفكر الساطع كانت الفلسفة أعلى مرتبة من الدين. إن الدين يشعر بالله ويدركه، أما الفلسفة فتشرحه وتوضحه.
ويتبع سير الفلسفة وتقدمها في عصور التاريخ نفس المراحل الثلاث التي اتبعها الفكر نفسه كما اتبعها كل شيء آخر: مرحلة الوجود المجرد، ثم الوجود الطبيعي، ثم الوجود الروحي في نهاية الأمر.
تلك الحركة الثلاثية تشمل الكون جميعا بكل مظاهره. لقد اجتازها التاريخ في سيره، وسلكها الفن والدين والفلسفة، بل ومر بها المطلق نفسه في تطوره وتقدمه ... الوجود أولا، فالطبيعة ثانيا، فالروح ثالثا، هذا هو سر العالم وجوهر الله.
تلك هي فلسفة «هجل»، وكأنما هي قصيدة فكرية عظيمة، إنها بناء شامخ متناسق الأجزاء، فكل جزء منها يمثل الكل، وكل شيء فيها يؤكد ذلك التثليث الشامل: الوجود فالطبيعة فالروح. (4-2) شوبنهور
Halaman tidak diketahui