على الأخرى فقال: «هذه لعثمان»، وهي بيعة الرضوان التي قال الله ﷿: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ﴾ (١) الآية. وقال ﷺ: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» (٢). وذكر أكثر المفسرين في قوله تعالى: ﴿إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ أنه صلح الحديبية؛ لم يكن فتح أعظم منه. قال العلماء: وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين في تلك الهدنة، وسمعوا منهم أحوال النبي ﷺ الباهرة، ومعجزاته الظاهرة، وحسن سيرته، وجميل طريقته، وشاهدها كثير منهم، فمالت أنفسهم إلى الإيمان، وأسلم في تلك الأيام خلق كثير؛ ولذلك أجبرهم ﷺ على الصلح مع كراهة أكثرهم له. وفيها: أسلم خالد بن الوليد المخزومي، وعمرو بن العاصي السهمي، وعثمان بن طلحة العبدري، وعقيل بن أبي طالب الهاشمي (٣). وفيها: غزوة الغابة (٤)، وتسمى أيضا: غزوة ذي قرد؛ باسم الموضع الذي جرى فيه

(١) حديث مبايعة الصحابة على الموت أخرجه البخاري (٤١٦٩)، ومسلم (١٨٦٠)، وأما حديث مبايعتهم على عدم الفرار .. فهو عند مسلم (١٨٥٦)، قال الحافظ في «الفتح» (٦/ ١١٨): (لا تنافي بين قولهم: بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار؛ لأن المراد بالمبايعة على الموت: ألاّ يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت). (٢) أخرجه ابن حبان (٤٨٠٢)، وأبو داود (٤٦٢١)، والترمذي (٣٨٦٠)، والنسائي في «الكبرى» (١١٤٤٤)، وغيرهم. (٣) أما إسلام خالد وعمرو وعثمان ﵃ .. فقد تبع المصنف في هذا القول العامري في «البهجة» (١/ ٣٢٦)، وهو قول ابن أبي خيثمة-كما نقل مغلطاي في «سيرته» (٢٩٦)، وأورد هذا القول ابن عبد البر في «الاستيعاب» (ص ١٩٨) وابن الأثير في «أسد الغابة» (٢/ ١٠٩) وقال عنه: (ليس بشيء)، وذكر النووي في «تهذيبه» (١/ ١٧٣): أن إسلام خالد كان بعد الحديبية، ولم يذكر سنة، وقال الحافظ في «الإصابة» (١/ ٤١٣): (أسلم في سنة سبع بعد خيبر، وقيل: قبلها)، ونقل مغلطاي عن الحاكم نفس القول، والراجح-والله أعلم-أن ذلك كان في السنة الثامنة كما قال الواقدي في «المغازي» (٢/ ٧٤٥)، وابن سعد في «الطبقات» (٥/ ٢٧)، والطبري في «التاريخ» (٣/ ٢٩)، وابن الجوزي في «المنتظم» (٢/ ٣٨٥)، وابن الأثير في «الكامل» (٢/ ١٠٨)، والذهبي في «التاريخ» (٢/ ٤٦٩)، ومغلطاي في «سيرته» (٢٩٦)، والفاسي في «العقد الثمين» (٤/ ٢٨٩)، وكلهم أثبت إسلامهم في هذه السنة، وبعضهم حدد أنه كان في أول صفر. وأما عقيل .. فقد ذكر النووي في «تهذيبه» (١/ ٣٣٧): أنه أسلم قبل الحديبية، وكذا ابن الأثير في «أسد الغابة» (٣/ ٤٢٣)، وغيرهم. (٤) وضع المصنف الغزوة هنا بعد صلح الحديبية موافق لما في «البخاري» (كتاب المغازي) باب: غزوة ذات القرد، و«مسلم» (١٨٠٧) ومخالف لما يذكره أصحاب السير من أنها كانت قبل الحديبية، قال الحافظ في «الفتح» (٧/ ١٦٤): (قال القرطبي شارح «مسلم»: ذي قرد كانت قبل الحديبية، فيكون ما وقع في حديث سلمة من وهم-