وحملوه إلى أقصى العدوة إلى المدينة أغمات، فبقي فقيرا عديما أسيرا إلى أن مات. ثم سلط الله على الملثمين جماعة الموحدين، فأزالوا الملك من أيديهم، وتحكموا في أنفسهم وساحاتهم وناديهم، فصلبوا أمير المسلمين أبا محمد تاشفين بحصن العباد خارج مدينة وهران، وذلك ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان. ثم دخلوا مدينة مراكش سنة إحدى وأربعين وخمسمائة بالحسام المسلول، وتركوا القصور خاوية خالية كالطول؛ وحكموا في أعناق سلاطين الملثمين طباة السيوف وأسنة الرماح، وضربوا عنق ولي عهد أمير المسلمين إسحاق بن علي بن يوسف ابن تاشفين بحد الصفاح؛ وجرت أنهار الدم في سكك المدينة، وأزال الله جلت قدرته عنهم ملاءة السكينة. ولما غلبهم الموحدون ودخلوها، واستولوا على جميع الديار وتركوها؛ بيعت الحرة الجميلة بدجاجة، حتى تعلم أن ليس لهم بها من
حاجة؛ وذلك بالمغرب يوم مشهود، علمه الغائبون والشهود.
وقد رثى ملوك بني المظفر الوزير العالم المستبحر في جميع الفنون، أبو محمد عبد المجيد بن عبد الله بن عبدون بقصيدته الفريدة المتضمنة للتواريخ والأنساب، والحكم والآداب، وهي مما يعتبر بها أولو الألباب:
الدَّهُر يفجَع بعد العين بالأثرِ ... فما البكاءُ على الأشباح والصّور
أنهاكَ أنهكَ لا آلُوك موعظةً ... عن نومةٍ بين نابِ اللّيث والظُّفُر
1 / 27