فلما أمن عليها العلة التى من أجلها كتب المصحف ترك كتابتها وهو يعلم أنها من القرآن.
ولو أن رجلا كتب فى المصحف سورا، وترك سورا لم يكتبها، لم نر عليه فى ذلك وكفا إن شاء الله تعالى.
***
باب ما ادعى على القرآن من اللحن:
وأما ما تعلقوا به من «حديث عائشة» رضى الله عنها فى غلط الكاتب، و«حديث عثمان» رضى الله عنه: أرى فيه لحنا-فقد تكلم النحويون فى هذه الحروف، واعتلوا لكل حرف منها، واستشهدوا الشعر:
فقالوا: فى قوله سبحانه: ﴿إِنْ هذانِ لَساحِرانِ﴾ وهى لغة بلحرث بن كعب يقولون:
مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه.
وأنشدوا:
أى قلوص راكب تراها … طاروا علاهن فطر علاها
على أن القراء قد اختلفوا فى قراءة هذا الحرف: فقرأه «أبو عمرو بن العلاء»، و«عيسى بن عمر»: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت «عائشة».
وكان «عاصم الجحدرى» يكتب هذه الأحرف الثلاثة فى مصحفه على مثالها فى الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران»، وقرأ: «والمقيمون الصّلاة»، وقرأ: «إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين».
وكان يقرأ أيضا فى سورة البقرة: «والصابرون فى البأساء والضراء» ويكتبها: «الصّابرين».
وإنما فرق بين القراءة والكتاب؛ لقول «عثمان» ﵀: «أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها» فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان «الحجاج» وكل «عاصما» و«ناجية بن رمح» و«على بن أصمع» بتتبع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما.
خبرنى بذلك «أبو حاتم» عن «الأصمعى» قال: وفى ذلك يقول «الشاعر»:
وإلا رسوم لدار قفر كأنها … كتاب محاه الباهلى بن أصمعا
وقرأ بعضهم: «إن هذان لساحران» اعتبارا بقراءة «أبى» لأنها فى مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفى مصحف «عبد الله»: «وأسرّوا النّجوى إن هذان ساحران» منصوبة الألف بجعل: «إن هذان» تبيينا للنجوى.
1 / 40