وقالوا فى نصب «المقيمين» بأقاويل: قال بعضهم: أراد بما أنزل إليك وإلى المقيمين.
وقال بعضهم: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين.
وكان «الكسائى» يرده إلى قوله: ﴿يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ أى: ويؤمنون بالمقيمين، واعتبره بقوله فى موضع آخر: ﴿يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أى بالمؤمنين.
وقال بعضهم: هو نصب على المدح.
قال «أبو عبيدة» هو نصب على تطاول الكلام بالنسق، وأنشد «للخرنق بنت هفان»:
لا يبعدن قومى الذين هم … سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك … والطيبون معاقد الأزر
ومما يشبه هذه الحروف-ولم يذكروه-قوله فى سورة البقرة: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ﴾. و«القراء» جميعا على نصب «الصابرين» إلا «عاصما الجحدرى» فإنه كان يرفع الحرف إذا قرأه، وينصبه إذا كتبه؛ للعلة التى تقدم ذكرها.
واعتل «أصحاب النحو» للحرف، فقال «بعضهم»: هو نصب على المدح، والعرب تنصب على المدح والذم، كأنهم ينوون إفراد الممدوح بمدح مجدد غير متبع لأول الكلام، كذلك قال «الفراء».
وقال «بعضهم»: أراد: «وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين والصابرين فى البأساء والضراء».
وهذا وجه حسن؛ لأن البأساء: الفقر، ومنه قول الله ﷿: ﴿وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ﴾.
والضراء: البلاء فى البدن، من الزمانة والعلة. فكأنه قال: وآتى المال على حبه السائلين الطوافين، والصابرين على الفقر والضر الذين لا يسألون ولا يشكون، وجعل «الموفين» وسطا بين المعطين نسقا على «من آمن بالله».
*** ومن ذلك قوله فى سورة الأنبياء: «كذلك نجى المؤمنين» كتبت فى المصاحف بنون واحدة، وقرأها «القراء» جميعا «ننجى» بنونين إلا «عاصم بن أبى النجود» فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف «القراء» جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال «فعل».
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيته إثباتها.
واعتل بعض النحويين «لعاصم» فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجى النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضرب، فتقول: ضرب زيدا.
1 / 41