على عادتهم، فكان ذلك جائزا لهم، ولقوم من القراء بعدهم مأمونين على التنزيل، عارفين بالتأويل؛ فأما نحن معشر المتكلفين، فقد جمعنا الله بحسن اختيار السلف لنا على مصحف هو آخر العرض، وليس لنا أن نعدوه، كما كان لهم أن يفسروه، وليس لنا أن نفسره.
ولو جاز لنا أن نقرأه بخلاف ما ثبت فى مصحفنا، لجاز أن نكتبه على الاختلاف والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير، وهناك يقع ما كرهه لنا الأئمة الموفقون، رحمة الله عليهم.
وأما نقصان «مصحف عبد الله» بحذفه «أم الكتاب» و«المعوذتين» وزيادة «أبى» سورتى القنوت-فإنا لا نقول: إن «عبد الله» و«أبيا» أصابا وأخطأ المهاجرون والأنصار، ولكن «عبد الله» ذهب فيما يرى أهل النظر إلى أن «المعوذتين» كانتا كالعوذة والرقية وغيرها، وكان يرى رسول الله ﷺ يعوذ بهما الحسن والحسين وغيرهما، كما كان يعوذ بأعوذ بكلمات الله التامة، وغير ذلك، فظن أنهما ليستا من القرآن، وأقام على ظنه ومخالفة الصحابة جميعا كما أقام على التطبيق.
وأقام «غيره» على الفتيا بالمتعة، والصرف.
ورأى «آخر» أكل البرد وهو صائم.
ورآى «آخر» أكل السحور بعد طلوع الفجر الثانى. وأشباه هذا كثيرة.
وإلى نحو هذا ذهب «أبى» فى «دعاء القنوت»؛ لأنه رأى رسول الله ﷺ يدعو به فى الصلاة دائما، فظن أنه من القرآن، وأقام على ظنه، ومخالفة الصحابة.
*** وأما «فاتحة الكتاب» فإنى أشك فيما روى عن «عبد الله» من تركه إثباتها فى مصحفه، فإن كان هذا محفوظا، فليس يجوز لمسلم أن يظن به الجهل بأنها من القرآن، وكيف يظن به ذلك وهو من أشد الصحابة عناية بالقرآن وأحد الستة الذين انتهى إليهم العلم، والنبى ﷺ يقول: «من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه قراءة ابن أم عبد».
وعمر يقول فيه: «كنيف ملئ علما» وهو مع هذا متقدم الإسلام بدرى لم يزل يسمع رسول الله ﷺ يؤم بها، وقال: «لا صلاة إلا بسورة الحمد» وهى السبع المثانى، وأم الكتاب، أى أعظمه وأقدم ما نزل منه، كما سميت مكة أم القرى؛ لأنها أقدمها قال الله ﷿:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا﴾.
ولكنه ذهب فيما يظن أهل النظر إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين؛ مخافة الشك والنسيان، والزيادة والنقصان، ورأى ذلك لا يجوز على سورة الحمد لقصرها ولأنها تثنى فى كل صلاة وكل ركعة، وأنه لا يجوز لأحد من المسلمين ترك تعلمها وحفظها كما يجوز ترك تعلم غيرها وحفظه.
1 / 39