وا كسوفاه! وا خجلاه! لقد كنت والله أتمنى أن تشق الأرض في تلك اللحظة وتبتلعني حتى لا تراني «أمي» على الحال التي كنت بها، خصوصا وأنني كنت (عامل أبو علي) طالع فيها، ومتظاهر بأنني في غير حاجة إلى أهلي ما داموا ينكرونني، ويرون في التمثيل رأيا لا أقرهم عليه. وقد سبق أن قلت بأنني كنت مطرودا من بيتي، لأن والدتي ساءها أن أكون ممثلا ....
تصور يا سيدي القارئ حالي في اللحظة التي اقتحمت فيها والدتي (بيت الإدارة)، وشاهدت ما يحوي من (موبيليا فخمة) وأثاث فاخر، وأنا الذي لم أحن رأسي في الماضي لإرادتها، ولم أطأطئ قامتي، لأدخل في روعها أنني على أحسن حال في عملي، ولست محتاجا لخير يأتيني على يد أهلي! أقول تصور هذا، ثم احكم بعد ذلك على الظرف القاسي الذي كنت فيه حين وصولها، لاسيما وأنها لم تدبر جهدا في إظهار نوع من العتاب هو أقرب إلى الشماتة منه إلى أي شيء آخر!
والآن دعني أشرح لك سبب مفاجأة والدتي في هذا الحضور الذي لم أكن أتوقعه.
وصل خطاب لي بعنوان المنزل (في القاهرة) من شركة السكر (بنجع حمادي) تدعوني فيه للعودة إلى استئناف عملي بها، ورأت والدتي أن تحمل الخطاب بنفسها إلي، إذ دار بخلدها أنني ربما رفضت أن أجيب الشركة إلى طلبها، وإذ ذاك تعمل هي (الوالدة) على ضرورة إقناعي بهجر التمثيل ... اللي صفته كيت وكيت ... من مأثور الكلمات التي كانت تخلعها الوالدة على هذا الفن ... الغلبان!
حيلة ...!
أما كيف طلبتني الشركة بعد استغنائها عني على أثر الحادث إياه، فقد كان هذا موضع دهشتي إلى أن وقفت على سر الأمر أخيرا. وإليك البيان:
حدث بين بعض موظفي الشركة وبين العم (ت) خلاف استحكمت حلقاته، ولكنهم لم يتمكنوا منه، ولم يجدوا سببا مبررا لفصله من عمله، فهداهم تفكيرهم إلى استعمال الحيلة كي يحملوه على الاستقالة.
والحيلة هي أن يعيدوني إلى عملي بالشركة، وإذ ذاك لا يجد غريمي العم (ت) مناصا من هجر الشركة، لا بل من هجر البلدة بما فيها. إن لم يكن اتقاء للفضيحة، فخشية تجدد الماضي بين روميو (الذي هو أنا)، وبين جولييت (وهي الحرم المصون).
قلت إن والدتي حملت إلي خطاب الشركة، وذلك بعد أن أضناها البحث عن مقر الفرقة التي أعمل بها. فكم وجهت السؤال إلى هنا وهناك، وكم نقبت عن أسر الممثلين تسائلهم عن أخبار أبنائهم، وأين يحطون الرحال. وأخيرا اهتدت إلى أننا نقيم إذ ذاك في طنطا، فجاءت على عجل.
عودة إلى الوظيفة
Halaman tidak diketahui