وفي الحال نفذنا الفكرة وظللنا نتقاضى الأجر فرحين مغتبطين. ولعل مما يجدر ذكره في هذه المناسبة، أن أقول إن صاحب مكتبة المعارف كان يدير فندقا في أعلى المكتبة، فاتفق وإيانا على أن نستأجر إحدى غرف الفندق نظير مبلغ خمسة قروش عن الليلة، وكان يخصمها من الأجر الذي نتقاضاه منه عن تعريب أجزاء روايات نقولا كارتر!! والطريف أن الحجرة كانت تحتوي على سرير، وكنبة مفروشة، فكان السرير بالطبع موضع نزاع دائم بيني وبينه على أن نتناوب احتلاله ليلة بعد أخرى، بحيث ينام أحدنا فيه ليلة، بينما يكون زميله نائما فوق الكنبة!!!
معرب وممثل
وبعد فترة من الوقت قابلني الأستاذ مصطفى سامي، وأبلغني أن فرقة شقيقه الشيخ أحمد الشامي تحتاج إلى مترجم ينقل إلى العربية روايات الفودفيل الفرنسية من نفس النوع الذي كان يعربه الأستاذ عزيز عيد وتمثله فرقته، واتفقت أنا على الانضمام إلى فرقة الشيخ أحمد الشامي، كمعرب وممثل بماهية قدرها أربعة جنيهات في الشهر.
والفرقة كانت جوالة تجوب مدن القطر من أقصاه إلى أقصاه، وكانت بطبيعة الحال إذا نزلت في بلدة اضطرت إلى البقاء فيها أسابيع، وربما أشهرا. فنزول أفرادها في فنادق كان من المتعذر جدا لأن هذا يكلف الفرقة مصاريف باهظة. ومن ثم كانت الإدارة تعمد إلى استئجار بيت من (بابه) ينزل فيه الجميع ويطلق عليه اسم «بيت الإدارة».
ولما كانت هذه البيوت غير مفروشة، فقد كانت تصدر إلينا التعليمات من إدارة الفرقة، قبل مغادرتنا القاهرة، كي يستعد كل منا بما يحتاجه من «مراتب» ومخدات و«ألحفة»، وكم كان منظرنا باعثا على الضحك حين كنا نلف المرتبة والمخدة واللحاف في «بقجة» ونقصد إلى محطة السكة الحديد.
نزلنا أولا في بني سويف، وصحبت «بقجتي» إلى البيت الذي قادونا إليه «بيت الإدارة». وبعد بني يوسف انتقلنا إلى غيرها، وظللنا كالمستكشفين بلد «تشيلنا» وبلد «تحطنا» حتى أتينا على آخر حدود مصر في أقصى الصعيد. وقد كان الناظر إلى بيت الإدارة في أي بلد من البلاد، يتراءى له فريق من المهاجرين لفظتهم أوطانهم وراحوا يبتغون العيش في بلاد الله ... لخلق الله!
مكوجي أرضي
ولما كنت من صغري أحب (أتعايق وأتهندز)، فقد كان يضايقني أن تقصر يدي دون الحصول على أجر مكوى ملابسي. ولكن كانت الحاجة تفتق الحيلة. وما دامت هناك «مراتب» أرضية فقد أغناني الله عن المكوى، وتعسف المكوجية، ذلك أنني كنت أرتب «البنطلون» ترتيبا منظما كما يفعل «المكوجي»، وأضعه بهذه الكيفية تحت «المرتبة»، فإذا نمت فوقها فعلت بالبنطلون نفس ما تفعله المكواة. وفوق كل ذي علم عليم! أما المشاجب، أو بالعربي الذي نفهمه نحن وأنتم «الشماعات»، فلم تكن لنا بها حاجة. ففي الحبال التي كنا نمدها في الغرف متسع للجميع، إذ كنا نعلق ملابسنا، أو بمعنى أصح ننشرها فوق هذه الحبال كما يفعل العرب الرحل إلى وقتنا هذا. وأعود إلى العمل فأقول إنني ترجمت للفرقة رواية «الابن الخارق للطبيعة» ورواية «عشرين يوما في السجن».
وبعد أن «شطبنا» على الوجه القبلي عدنا أدراجنا إلى القاهرة، لا لنحط بها الرحال ولكن لنستعد إلى غزو «الوجه البحري» وقد كان، إذ قمنا من فورنا «وفتحنا» طنطا!!
في (بيت الإدارة) بطنطا، وفي الساعة العاشرة من صباح أحد الأيام، بينما كنت أقوم بعملية «التمرغ» فوق المرتبة إتماما لكي بنطلوني، إذ طرق الباب طارق، وفتح أحد زملائي، فإذا الطارق والدتي بعينها!!
Halaman tidak diketahui