لم أتوان بعد الاطلاع على خطاب الشركة في جمع عزالي، وهي عبارة عن المرتبة واللحاف والمخدة والكام هدمة، والعودة سريعا إلى القاهرة، تاركا الجمل بما حمل ومنها إلى نجع حمادي حيث استلمت عملي، وأنا أقسم جهد أيماني أنني لن أعود إلى التمثيل مهما حدث، ومهما كانت الأسباب!! فهل بررت بقسمي هذا أم حنثت!!
قدمت أن السبب في استدعاء الشركة لي هو تطهيق العم (ت) ليأخذها من «قصيرها» ويولي الأدبار!! ولذلك رأى الرؤساء من باب النكاية فيه، أن يجعلوه تحت رياستي، وأن يكون من اختصاصي أن أراقب أعماله!!
ومع ذلك لم ييأس العم (ت)، ولم يتبرم بهذه التصرفات، بل لم يحرك ساكنا ... وأخوك تقيل! وقد رأيت أن «أتلم» شوية وألايمها، فعاملته أحسن معاملة، وصرنا من هذا الحين أصدقاء أعزاء.
واتجهت بكليتي إلى إتقان عملي ومراعاة الواجب فارتفعت بأخلاقي إلى مستوى لا بأس به. وفضلت فيما يختص بعلاقاتي بالجنس اللطيف أن أترك ما لقيصر لقيصر، وأن أخليني لطيف، وبلاش «المسخرة» بتاعة زمان. وقد كان! ولم يمض وقت طويل حتى حزت ثقة مدير الشركة وغيره من الرؤساء، فارتفع بذلك مرتبي إلى أربعة عشر جنيها في الشهر.
إغراء
وظللت قرابة العامين هانئا بعيشي راضيا بما كتب لي في سجل الحياة. ونظرت فإذا بي أقتصد من هذا المرتب في تلك المدة مبلغا يزيد على مائتي جنيه. ولما كان عام 1912 تسلمت - وأنا في نجع حمادي - خطابا من الأستاذ عزيز عيد (وكان في القاهرة طبعا) يخبرني فيه أن التمثيل قد ارتفع شأنه، وأن الأستاذ جورج أبيض عاد من أوربا، وهو ينوي تأليف فرقة بعد أن تلقى الفن في الخارج على نفقة صاحب السمو الخديو وأن ... وأن ....
وبعد تلاوة الخطاب أقول لك الحق، (زقزق) عقلي. وازنت بين ما يحويه هذا الخطاب من مزخرفات ومشوقات، وبين ما أنا فيه من نعمة شاملة وراحة كاملة. وأخيرا فضلت البقاء في نجع حمادي، ولتفعل فرقة جورج أبيض بالممثلين ما تشاء.
ومر بعد ذلك وقت بدأت أرى فيه الصحافة تهتم بالتمثيل، والجرائد اليومية تكتب عن فلان وفلان من زملائي، وتأتي على ملخصات للروايات التي تعرض، وكيف أن فلانا أجاد دوره، وأن السيدة (فلانة) بلغت في دورها حدا بعيدا من الإتقان.
أقول كنت أقرأ هذه الأشياء وأنا قابع في نجع حمادي، فخارت قوة المقاومة في نفسي، ولم أعد أحتمل البقاء في أقاصي الصعيد، تاركا هذا العالم الجديد يفتح ذراعيه لزملائي الأقدمين فعولت على الحصول على إجازة أقضيها في القاهرة لأرى عن كثب هذا الفن الذي أزهرت أيامه، وارتفعت أعلامه.
وجئت إلى القاهرة بإجازة شهرين، وكنت أحمل في جيوبي إذ ذاك مائتين من الجنيهات الذهبية الصفراء، كانت كل ما ادخرته من مرتبي في السنوات الماضية. ورحت أشاهد تمثيل جورج أبيض، وأتوسع في الإنفاق هنا وهناك، كمن ينتقم من أيام «الجفاف» التي أمضيتها في الصعيد.
Halaman tidak diketahui