النسب وبذا جمعوا بين النسب العربي والاصل الاعجمي.
اما الأبناء فيقولون أن أصلهم خراسان وفرعهم بغداد. وخراسان هي منبع الدعوة وبغداد مستقر الخلافة. ولذا فهم اعرق من الموالي والعرب. وهم قوام السلطة القائمة في بغداد وقد اجتمع لهم الاقدام في الحروب والاحتجاج والعقل والصبر على الزمان. ويبدو من كلام الجاحظ ان الابناء كانوا يسيطرون على بغداد وكان الخليفة يعتمد عليهم في فرض سلطته ونسمعه يقول «ولنا بغداد باسرها، تسكن ما سكنا، وتتحرك ما تحركنا، والدنيا كلها معلقة بها ...
ونحن بعد تربية الخلفاء وجيران الوزراء، ولدنا في افنية ملوكنا، ونحن اجنحة خلفائنا..» . والابناء مولدون من آباء فرس وامهات عربيات.
وننتهي اخيرا الى الاتراك الذين ذكر خصالهم في القسم الأخير من الكتاب واطال الحديث عنهم. والصفة الرئيسة التي يفتخرون بها هي البسالة في الحروب والبلاء في المعارك وهم يتفوقون بها على الخوارج الاعراب وعلى جميع الأمم. واذا عرف الخارجي بصدق الشدة عند الهجوم، والصبر على السير، وادراك ما يطلب، وقلة الامتعة فان التركي احمد شدة، واسرع حركة، واصعب مراما.
واذا كان الخوارج يقاتلون عن عقيدة دينية فان الاتراك لا يقاتلون على دين او تأويل او ملك او خراج او عصبية او وطن. بل يقاتلون على السلب.
ويعرف التركي بحب وطنه والحنين اليه. وهذا طبع في جميع الناس ولكنه في الترك اغلب.
وبعد عرض مفاخر الشعوب المختلفة يبدي الجاحظ رأيه الشخصي. إن سبب اختلاف الأمم في الخصال عائد الى طباع خصهم الله بها دون غيرهم.
وهذا ما يفسر لنا حذق اهل الصين في الصناعة، واليونانيين في الحكمة والعلم، والعرب في الأدب، والفرس بالملك، والاتراك في الحروب. فاليونانيون لم يكونوا تجارا ولا صناعا ولا فلاحين، فصرفوا همهم الى التفكير والتأمل فتوصلوا الى الطب والحساب والهندسة والموسيقى وآلات الحرب والساعات الخ كما انتجوا
1 / 47