الرأي ليقبل ان يمثله في التحكيم عدو مرصد. وانما قبل علي بالتحكيم تلافيا للشقاق يدب في صفوف عسكره بسبب رفع المصاحف ويوم نادى منادي معاوية: «اخرجوا الينا قتلة عثمان»، فابتلي علي «بعقد لا سبيل الى حله وبقفل لا حيلة في فتحه» فلو سلمهم قتلة عثمان لا متنعوا بعشائرهم الذين قالوا «كلنا قتال عثمان» ولتواثب بعض عسكره على بعض، ولا نقضّ عليهم معاوية وفتك بهم. ولو قال كذبوا لم يكن ذلك تدبيرا لأن السواد الأعظم ومنهم اصحاب الحديث والقضاة والنوابت استنكروا قتل عثمان وطالبوا بالاقتصاص من قتلته. وان قال صدقوا خلعه من يرى الوقوف في عثمان وعلي، ومن يرى تبرئة علي ويدعي ان قتل عثمان من طاعات الله وهم أشد أنصاره. فكان قبول التحكيم هو المخرج الوحيد المفتوح امامه.
والمسألة الثانية بعد التحكيم التي وقف عندها الجاحظ هي ترك علي للقتال. وقد اتهمه خصومه بانه ترك القتال اما جبنا واما طمعا في توبة معاوية وعمرو واما ندما على ما اراق من دماء. وكل هذا من سوء التدبير والعجز.
بيد ان الجاحظ يرد جميع هذه التهم لأن عليا «اشد الناس قلبا واشرا واكثرهم للاقران قتلا» . ولأنه كان يدرك خدعة معاوية وعمرو وقد حذر اتباعه في خطبه منها ودعاهم الى مواصلة القتال. ويرى ان عليا ترك القتال عندما تحقق من تفكك عسكره ومللهم الحرب، وسأمهم مقارعة الشر، وبعدهم عن اوطانهم وعيالهم، بعد ما قال كبراؤهم: «لا نعود حتى نشمر الكراع ونحد السلاح ونجبي المال» .
والمسألة الثالثة التي عالجها الجاحظ هي «كتاب القضية» وهو الاتفاق الذي زعم خصوم علي انه تم بين علي ومعاوية على تحكيم عمرو بن العاص وابي موسى الاشعري في ما شجر بينهما. وقد أثبت الجاحظ هذا النص وحلله فوجد انه مدخول وغير صحيح. فالفاظه تخلو من الفصاحة والبلاغة ويشيع فيها اللحن مما يدل على انها من كلام المولدين. والشهود مشكوك في نسبهم ومختلف في
1 / 31