Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Genre-genre
فسألناهم عما فعلوا أمس، فكشفوا رءوسهم المغطاة بقلانس (استراخان) وأرونا جراحهم المكمدة بتفل القهوة، وقالوا لنا وهم يأسفون: ستزول هذه الأثار غدا، ولم يبق عندهم شيء من المس الشيطاني الذي أصابهم أمس، وغاية الأمر أنهم يعرفون أنهم يصابون في كل عام في نفس هذا التاريخ بتلك النوبة التي تملكهم دون أن يستطيعوا الفرار منها.
النوبة العصبية هي الكلمة الملائمة، وكل شيء في الشرق نوبة عصبية صاعقة لا يمكن التنبؤ بما سيحصل قبلها ولا كشف أسرار ما سيقع بعدها.
وكل ما سردناه في الحقيقة هو من تأثير الوزن (تصفيق).
ولا أريد أن أتوغل في الجنون الديني الذي حدثتكم عنه، بل أكتفي بسرد الحادثة الآتية التي شاهدتها في تونس وهي غريبة في نوعها:
كانت طفلة زنجية تسمى «زهرة» لم تبلغ بعد السادسة وقد ذاع صيتها في حيها لمهارتها في رقص البطن، فقلت لمن حولها من شبان العرب: ادعوها للرقص، فلم تقبل الرجاء، وطفقت تقضم في قطعة من الخبز محشوة بالحلوى الطحينية وتتفرس في بعين بيضاء ملئت خبثا، ولن أنسى شكلها وهي مرتدية سروالها الضيق الطويل و«الفوطة» المخططة التي اتزرت بها ورأسها المربوط بمنديلها المفوف.
رجوا منها أن ترقص فعاندت، فقعد الجميع القرفصاء وضربوا بدرائرة حولها وجعلوا ينقرون دفوفهم ويغنون لها. سجنت زهرة وسط الحلقة فبكت من الغيظ وأخذت ترقص رغما عنها وبدون إرادة منها، كانت تقضم الخبز من الحرد وترويها بدمعها، وطفق روقاها الصغيران يتموجان من تأثير الموسيقى.
وما تلك بحالة خاصة فإننا إذا ولجنا الدائرة الصوفية المحضة «للمولوية» فإنني أقص عليكم بأنني رأيت الشيخ «صلاح الدين دده» يرقص ويدور؛ لأنه سمع أحد الجالسين معه في بهو إسلامي يعزف على «الفيولونسيل».
وقد قال هؤلاء الدراويش: «كل من لا يرقص فهو مجرد من الروح.» ولهم الحق فإن رقصهم الذي يشبه دوران الكواكب لهو أكمل مظهر للنشوة الدينية التي تليق مشاهدتها، والموسيقى التي تحمسهم مركبة من نايات وطبول صغيرة وعيدان، ويخيل إلى سامعها أنها آتية من وراء البحار.
وإن أردنا أن نتكلم على الموسيقى الحقيقية فأحدثكم عن المغنين والمغنيات و«تختهم» الذي يشمل الناي والطار والدربكة والعود والكمنجة والقانون.
وسأجرب أن أقفكم على فكرة ضئيلة من الأوزان النائمة في هذا الجلد المشدود «للطار» وقد أحضرت واحدا لهذا السبب، وستطلعون على السلم الموسيقى الحقيقي لهذه الآلة، وهذه التي تشاهدونها جلبتها من دمشق (ثم أنشأت مدام ماردروس تنقر أوزانا مختلفة شائقة على الطار فصفق لها الحاضرون تصفيقا شديدا).
Halaman tidak diketahui