العريس
عند تلك النقطة من الحديث مال نحوي حتى شعرت بأنفاسه تنداح فوق صدغي وقال: اعزم وتزوج.
استجبت لاقتراحه، كنت في الواقع أتلهف عليه، بت مؤمنا بأن الزواج هو المغامرة الوحيدة القيمة الباقية لي في الحياة.
قلت: فكرة طيبة. - وماذا تنتظر؟ - أنتظر العروس بنت الحلال. - هل بحثت عنها بجد؟ - لا وقت عندي للبحث.
فقال واهتمامه بالموضوع يزداد بقوة: يوجد حل لكل موقف معقد، ما هي شروطك؟ - عروس مناسبة، هذا ما أريد. - ست بيت أم عاملة؟ - ست البيت مفيدة والعاملة لها مزاياها غير المنكورة. - العاملة تملك إيرادا؟ - الفقيرة مقبولة عندي وذات الإيراد مقبولة أيضا. - لك مواصفات خاصة في الجمال؟ - حسبي أن تكون مقبولة. - شروطك يسيرة، أنت تريد امرأة حسنة المعاشرة. - بلا زيادة.
فقال بثقة: طلبك موجود، هل تعرف أسرة ميري؟ عابد ميري؟ كريمته هي من أرشحها لك.
وقادني ذات يوم إلى أسرة عابد ميري فقدمني لهم، الأب والأم والفتاة، والحق أني غادرت بيتهم عاشقا أو قريبا من ذلك، تبدت لي الفتاة مثالا للرزانة والأنوثة والكمال البيتي، أحببت وقار الأب وأبهة الأم، وفي ذلك اللقاء تم الاتفاق الأولي، وهو ما يقابل الترشيح للوظيفة في اصطلاحاتنا الحكومية، وبقي الأهم وهو مسوغات التعيين وتقرير مكتب الأمن، ومن ناحيتي تحريت عنهم فجاءتني تقارير متناقضة كالمتوقع، قيل لي: نعم التوفيق، أسرة ولا كل الأسر، ضمنت الطمأنينة والسلام في الحياة والموت.
وحذرني آخر قائلا: لا تغرنك المظاهر، ستخنقك أغلال العبودية.
وسمعت حكايات عن جنون بعض أفراد الأسرة، وانتحار آخرين، ولكن لم يوهن ذلك من عزمي، تحصنت بخبرتي الطويلة بالحياة والبشر، وأسكرتني نشوة متحفزة للمغامرة ودق أبواب المجهول، وقلت لنفسي إن الحياة نفسها شبيهة بهذا الذي يقال، تلقيناها وهي مثال للأمان حتى بعد الموت، ثم تكشفت لنا عن مجهول جليل، واحتمالات مبهمة، وما زلنا نعشقها، ونتعلق بأذيالها حتى الموت.
وفي الوقت نفسه تعقبتني التحريات تغوص في أعماق ذاتي وتاريخي، فساورني قلق غير قليل، ورجوت أن يسود التسامح وينتصر في النهاية، وجاءني صديقي الوسيط وقال لي: لم أعرف أسرار صحتك إلا هذه الأيام.
Halaman tidak diketahui