وأما قوله: "إنَّه أفتى بجواز ذلك الرملي".
فمجرد فتواه لا يحق باطلًا ولا يحلل محرمًا ولا يحرم حلالًا حتى يأتي بالدليل وعليه يدور القال والقيل.
والعجب قوله آخرًا: "وهذا كلُّه ظاهرٌ غنيٌ عن طلب دليل" كأنَّه جعله من ضروريات الدين. نعم هو من ضروريات الدين دين الجاهلين عُبَّاد القبور المغفلين الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، بل التحقيق أنَّهم ما عرفوا ظاهر الحياة حيث قَبَّلوا بالأفواه وعفَّروا الجباه لمن لا ينفعهم شيئًا ولا يضرهم، أفٍ لهم ولما يعبدون، فإنَّ من عرف الظاهر من الدنيا يحرص على أن لا يبذل مقالًا ولا مالًا ولا قُبلةً ولا استلامًا إلا إذا كان لأمر يعود عليه نفعه في دينه أو دنياه، ولقد عقل هذا المشركون عُبَّاد الأصنام لما قال لهم الخليل: ﴿مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَاءَابَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ ١ فانظر كيف أجابوا بأنَّها لا تسمع ولا تضر ولا تنفع، بل أثبتوا عبادتها لأنَّهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون، فلقد عقل المشركون٢ مالا يعقله الجاهلون من هذه الأمة فإنَّ هؤلاء الجهلة قالوا بنفع هؤلاء الأموات وتقبيل القبور لما فيها من العظام النخرة الرفات وهذا ليس وراءه ضلال، وليس لإبليس بعده في الغواية مجال، إذ ابتدع هؤلاء
_________
١ سورة الشعراء، الآيتان ٧٠٧٤.
٢ في (أ): "المشركين" وهو خطأ.
1 / 112