القبوريون هذه الابتداعات من العمارة على القبور وإضاعة الأموال في رصِّ الأحجار عليها والصخور وتسميتها بالقباب والمشاهد وإقرار عين إبليس بهذه البدع التي هي للشريعة أعظم مضادة، ثم جعل عليه التابوت وكسوته بنفيس الثياب، وهذا هو والله بعينه الذي كانت تصنعه عُبَّاد الأوثان والكلاب ثم الكتب عليه وإيقاد الشموع والقنديل والمصباح وهذا هو الذي لعن المصطفى فاعله في الأحاديث الصحاح.
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: "أصل تعظيم القبور مأخوذ من عُبَّاد الأصنام فإنَّهم قالوا: الميت المعظم الذي لروحه قرب من الله تعالى ومزية لا تزال تأتيه الألطاف من الله وتفيض على روحه الخيرات، فإذا علق الزائر روحه به وأدناها منه فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف١ بواسطتها؛ كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له. قالوا: فحق الزيارة٢ أن يتوجه الزائر بروحه وبقلبه إلى الميت ويعكف بهمته عليه ويوجه قصده كلَّه وإقباله عليه بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره، وكلَّما كان جَمْعُ الهمةِ والقلب عليه كان أعظمَ لانتفاعه به٣، وذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرُهما، وصرح بها عُبَّاد الكواكب في عبادتها، قالوا: إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العُلوية فاض عليها منها النور،
_________
١ في الأصل: "من روح المزور فاض من روح الزائر من تلك الألطاف" والتصويب من الإغاثة.
٢ في الإغاثة: "فتمام الزيارة".
٣ في الإغاثة: "وكلَّما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به".
1 / 113